أريان21: فرنسا تحاول الالتفاف على القرارات الأوروبية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية
قال موقع أوريان 21 (orientxxi) الفرنسي إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أدانت فرنسا من خلال إصدار حكم في يونيو/حزيران الماضي يؤيد شرعية الدعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، إلا أن فرنسا بدلا من الامتثال للقرار، تحاول الالتفاف عليه في تحد للقانون، معتبرة الدعوة إلى المقاطعة استفزازا ونوعا من التمييز.
وفي مقال فرانسوا دوبويسون على الموقع، قال أستاذ القانون الدولي بجامعة بروكسل، إن السلطات الفرنسية تميزت عالميا بتشجيعها للقضاء على تطبيق تشريعاتها الجنائية المتعلقة “بالتحريض على الكراهية والتمييز”، ومنها كما ترى دعوات المواطنين لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وهي سياسة جسدتها باعتماد “منشور أليو ماري” عام 2010، الذي دعا النيابة العامة إلى اعتبار الدعوات إلى المقاطعة “تحريضا على التمييز”، ومتابعة أصحابها بشكل منهجي.
ومع أن السوابق القضائية بشأن هذه المسألة متناقضة تماما، حيث يفضل بعض القضاة إعطاء الأولوية لحرية التعبير على الأوامر الزجرية القمعية، فقد تمت تسوية الأمر من قبل محكمة النقض التي أيدت تجريم الدعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في حكم أصدرته عام 2015.
حرية التعبير
وعند الاستئناف في هذه القضية، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن إدانة مجموعة من النشطاء لمشاركتهم في مقاطعة متجر كبير تتعارض مع حرية التعبير، وخلصت إلى أن “الدعوة إلى المقاطعة”، حتى لو كانت “مصدرا للجدل تظل محل اهتمام عام، ما لم تتحول إلى دعوة للعنف والكراهية وعدم التسامح”.
ولهذه الأسباب -كما يقول الكاتب- قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن فرنسا انتهكت الحق في حرية التعبير، لأن القاضي المحلي لم “يطبق القواعد وفقا للمبادئ المنصوص عليها في المادة 10″، ولم يقم “بتأسيس حكمه على تقييم مقبول للوقائع”.
باريس مصرة
بعد هذا الحكم –كما يقول دوبويسون- كان من المتوقع أن تلغي السلطات الفرنسية التعاميم المتعلقة بالتعاطي مع مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتشير إلى أنها محمية من حيث المبدأ بحرية التعبير، إلا أنها فضلت مسارا آخر، مما يعطي شعورًا بأنها عازمة على تقويض حكم المحكمة والحفاظ ظاهريا على الأقل، على مبدأ تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، نشر وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي تعميما جديدا “يتعلق بقمع الدعوات التمييزية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية”، أكد بموجبه الأساس القانوني للملاحقة القضائية، ليوضح بطريقة ملتوية للغاية أنه لا ينبغي الشروع في الملاحقة القضائية إلا إذا “كانت الوقائع تتميز بالدعوة إلى الكراهية أو التمييز”، بعد التحقق من كون “محتوى” الدعوة إلى المقاطعة المذكورة و”دوافعها” و”ظروفها” تكشف طبيعتها الإجرامية.
وينص التعميم كذلك على أن “الطبيعة المعادية للسامية لدعوة المقاطعة” يمكن أن تنشأ لا من “الأقوال والأفعال والكتابات” المصاحبة لها فقط، ولكن يمكن “استنتاجها من السياق”، مشيرا إلى أن “مقاطعة المنتجات الإسرائيلية من المرجح أن تعبر عن جريمة التحريض على التمييز ضد مجموعة من الأشخاص بسبب انتمائهم لأمة”.
وفي هذه الحال –كما يقول أستاذ القانون الدولي- لم يأخذ الوزير من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلا ما يبرر الإدانات بشكل أكثر دقة، رغم أن المحكمة الأوروبية أدانت على وجه التحديد التفسير الوارد في القانون الفرنسي والذي انتهى بمنع أي دعوة لمقاطعة المنتجات “بسبب منشئها الجغرافي”.
معاداة السامية في خدمة القمع
ومع أن التعميم يشير بشكل خاص إلى فحص “دوافع” و”نية” النشطاء لتقييم الطبيعة الإجرامية للدعوة إلى المقاطعة، فإن المحكمة الأوروبية وجدت أن حملة المقاطعة كانت تعبيرا سياسيا، يهدف إلى جعل إسرائيل تحترم القانون الدولي، وهي مسألة ذات أهمية عامة.
ولذلك من الصعب أن نرى –حسب الكاتب- ما هي الدوافع أو النيات التي تحرك النشطاء عادة والتي يمكن أن تجعل الدعوة إلى المقاطعة تمييزية، أو أي سياق يجعلها معادية للسامية، إلا من خلال اعتبار حركة المقاطعة، المعروفة اختصارا بـ”بي دي إس” (BDS) تعبيرا عن معاداة السامية، استنادا إلى تعريف معاداة السامية الذي اعتمده التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (Holocaust) الذي يضم 34 دولة، معظمها أوروبية.
ونبه أستاذ القانون الدولي إلى ما تم تأكيده مرارا وتكرارا من المشاكل التي يطرحها هذا التعريف فيما يتعلق بحرية انتقاد سياسة الاحتلال الإسرائيلي، نظرًا لكون غالبية الأمثلة التي تم الاستشهاد بها كشكل معاصر من معاداة السامية مرتبطة بدولة إسرائيل.
لذلك يُخشى –حسب الكاتب- من أن المنطق الذي يستند إليه المنشور الوزاري الجديد يتمثل في عزل عناصر اللغة المصاحبة لحملة المقاطعة أو الإجراءات بشكل مصطنع، لجعلها تتفق مع أمثلة معينة تطابق تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وبالتالي تحمل بعدا تمييزيا أو كراهية، وكمثال على ذلك يمكن حشد بعض الأمثلة لمحاولة “إعادة تجريم” دعوات المقاطعة.
مناقشة مشروعة
في هذا السياق، تشير التفسيرات التي قدمها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست إلى أنه “لا يمكن اعتبار انتقاد إسرائيل معاداة للسامية”، ولكن بشرط أن يتم التعبير عن الانتقاد بالقول “كما ننتقد أي دولة أخرى”، ويتضح أن هذا الشرط الغامض يقدم لاعتبار “المعاملة غير المتكافئة لدولة إسرائيل، التي يُطلب منها تبني سلوكيات غير مطلوبة من أي دولة ديمقراطية أخرى” معاداة للسامية.
وعلى هذا الأساس، يرى الكاتب أن هناك ميلا لدى بعض الدول لاستخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لوصف أي مقاطعة تستهدف إسرائيل بأنها شكل من أشكال معاداة السامية، لذلك لا يمكن استبعاد مثل هذه الحجة في فرنسا، في محاولتها للحفاظ على شكل من أشكال تجريم حملات المقاطعة.
ويتساءل الكاتب هل ستطلق موجة جديدة من الدعاوى القضائية ضد إجراءات المقاطعة، مع تعديل دوافعها القانونية ربما بناءً على تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية أو أن النيابة ستحذر من أخذ دروس حكم المحكمة الأوروبية وقبول مبدأ شرعية وقانونية الدعوة إلى مقاطعة المنتجات التي منشؤها إسرائيل؟
ويخلص دوبويسون إلى أنه ليس من المستبعد على الإطلاق أن تحدث أفعال أو كلمات معادية للسامية في مناسبة أو بحجة أعمال المقاطعة، لكن المحكمة الأوروبية وضعت الحدود عند تحول الدعوة إلى المقاطعة إلى “دعوة للعنف أو الكراهية أو التعصب”، حيث الخط الفاصل بين النضال الضروري ضد معاداة السامية وانتقاد سياسات إسرائيل، ضمن نقاش شرعي تحميه حرية التعبير.
المصدر : الصحافة الفرنسية