محليات

إنجازات البطريرك صفير سقطت على أيدي المسيحيين…

لم يتنافَس أحدٌ مع الآخر على خلافة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، لأنّ البعض غير قادر عليها أمام حجم هذا الإرث، والبعض الآخر لاتلتقي مصالحه مع خطّ صفير ومواقفه المعروفة، والحريّ القول إنّ مَن أراد وراثته فشل حتّى الآن. وهنا، طبعاً، ليس المقصود البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يُحاول السير أمام موجات مُعاكِسة، ولا أيّ مطرانٍ مارونيّ آخر.كُتِبَ وأُفصِح عن مواقف عدّة غير مُعلنة للبطريرك صفير، مع بدء تراجع صحّته تدريجياً، من قبل مُقرّبين منه، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين اللتين سبقتا رحيله. الرجل كان ممتعضاً إلى حدٍّ كبير حيال السلوك السياسيّ الذي مارسته قوى وشخصيّات مسيحيّة رئيسة على وقع بداية الفراغ الرئاسيّ في 25 أيّار 2014. كان يهمس هذه المواقف همساً، ولم يكن يعبّر عنها أمام أيٍّ كان، سوى الذين نالوا جزءاً من ثقته فقط.هو عبّر أمام أكثر من ضيفٍ، من زوّاره الدائمين، عن استيائه من الحسابات والتفاهمات الثنائيّة الكيديّة والتقاسميّة التي سلكها القادة المسيحيّون وتخلّيهم عن العناوين “السياديّة” لصالح تقاسم الجبنة والمشاركة في الحكومات ومراكمة التنازلات المُعاكسة للخطّ الذي افتتحه،خصوصاً أنّ هؤلاء هم أنفسهم مَن جلس عن يمينه ويساره يوماً. ولو عرفوا حرفيّة رأي صفير بما فعلت أيديهم، لركعوا أمام قبره في بكركي طالبين السماح ممّن حمّلهم أمانة جمهوريّة، فأصبحت رئاستها وقصرها وكرسيّها همَّهم وشغلهم الشاغل.ولا نُفشي سرّاً في هذه السطور إن قلنا إن عدداً من النواب ورؤساء الأحزاب المسيحيّة، الذين وقفوا إلى جانب صفير في المراحل المفصليّة منذ العام 2005 حتّى الـ2010 وناصروا مواقفه خلال الوصاية السوريّة على لبنان، كانوا يعلمون أنّ تموضعهم كان في المكان الذي لم يرضَ عنه البطريرك، بعدما كانوا يطلبون رضاه، إلاّ أنّ رؤيته وآرائه لم تكن تلتقي مع رياح مصالحهم.ومع ذلك، سقطت مصالحهم، وانتصرت رؤية نصرالله صفير، ليتبيّن أنّنا كنّا في زمن رجال سلطة، وبطريرك دولة.فعلياً، أصبحت إنجازات صفير من الماضي. إتّفاق “الطائف”، الذي لعب الدور في ولادته وتأمين الغطاء المسيحي له، ذهب أدراج الإسقاط مع التنكّر لبنوده وتجاوز “دستور الطائف” عند كلّ مناسبة، إلى حيت ارتبط بالفشل الإداري الذي وصلنا إليه، ما وضعنا أمام فرضيّة الإنتقال إلى نظام جديد بعد 17 تشرين الأوّل 2019. “ثورة الأرز”، التي أطلق شرارتها، أصبحت عبارة عن ثورات عدّة على قياس كلّ حزب من أركانها، ونجح خصومها في دقّ الإسفين بينهم، فـ”فرَطوا”. وحتّى مَن صمد منهم على موقفه من سلاح “حزب الله”، كانت سلّته فارغة ولم يتجاوز في المواجهة التغريد على “تويتر”.مصالحة الجبل أيضاً، أصبحت بحاجة، حتّى قبل وفاة صفير، إلى ترميمٍ سنويّ، فلا تهزّها زيارة، ولا مواقف متسرّعة، ولا أيّ عهد من العهود الرئاسيّة الخارجة عن نهج المصالحة ورموزها.أمّا الكنيسة المارونيّة، فلا شكّ أنّها أصبحت بحاجة إلى “نفضة” يُدرك ضرورتها الكبير والصغير فيها، إن على المستوى الروحي داخلياً، أو على صعيد التأثير الوطني لبكركي في المعادلة السياسيّة بحجم التغيير المفصليّ الذي أحدثه “نداء المطارنة” الشهير.سامح البطريرك صفير الشبّان الذين تعمّدوا الإعتداء عليه في العام 1989 في باحة الصرح البطريركي، لكنّه لن يُسامح مَن أسقط الهيكل وغرق في فساده وصفقاته، وأوصل البلد إلى مجاعة الـ2020. بطريرك الإستقلال الثاني “عُزِل” على أيدي الموارنة أنفسهم، و”قُتِل” أكثر من مرّة بعد وفاته، وسننتقل سريعاً إلى جمهوريّة ثالثة قد تأتي معها الكنيسة الجديدة بخلفٍ لـ”بطريرك الثورة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Libanaujourdui

مجانى
عرض