الحريري وبيئته “الحزينة”.. من الاعتزال الحكومي إلى العزل السياسي
لا يزال سعد الحريري بعيداً عن السياسة. ولبعده وجهان. البعد المادي والمتعلق بغيابه عن لبنان وبيئته وجمهوره ومؤيديه وتياره وعن متابعة شؤونه الداخلية أو “المعارضتية”. والبعد العملي، وهو نتيجة للبعد الأول، لناحية اقتصار السياسة لدى سعد الحريري بنقطتين، إما أن يكون رئيساً للحكومة (أو ساعياً إليها)، أو أن يكون في غمار الانتخابات النيابية. ومن يقارب السياسة بهذا المنظار، يبقى فعلياً بعيداً عنها. السياسة ليست موسمية، ولا تخضع لتوقيته. السياسي مبادر باستمرار في الفعل وفي التوقيت.
شبح 2011
في عزّ التسوية الرئاسية، وتربّعه على عرش الحكومة، لم يكن راغباً في السياسة. قالها أكثر من مرّة أنه غير مبال بها، يصب اهتمامه على الاقتصاد. وبعد انفراط عقد الحكومة و”التسوية” تحمّس بداية لخوض غمار المعارضة، إلا أنه تكاسل وسئم سريعاً. زهوه بجمهوره في ذكرى اغتيال والده لم يطل كثيراً. هذا الجمهور الذي كان خائفاً من تكرار تجربة العام 2011، بعد إسقاط حكومته وتشكيل حكومة نجيب ميقاتي. حينها غادر ولم يعد، وصار الجمهور تائهاً، والكتلة النيابية الأكبر آنذاك تجاذبتها الصراعات والطموحات الشخصية، فضرب الترهل كل ما يرتبط بتيار المستقبل.الخوف من شبح تلك المرحلة بدأ يتسلل اليوم إلى نفوس المريدين. وعدهم بأنه لن يغادر، وسيبقى إلى جانبهم، فاتحاً دارته أمامهم عندما يريدون، مصغياً إليهم، قريباً منهم، سميعاً لشجونهم، لكنه غاب. تفشي وباء كورونا قد يخدمه في تبرير غيابه، وفي عدم استقبال الجماهير وعقد الاجتماعات واللقاءات. الفيروس عطّل العالم وشلّ المؤسسات، وأغلق المطارات. كان مناصروه يريدونه بينهم في أحلك ظروفهم، في حرب وجودية يخوضها الجميع، ويزايد فيها الجميع، كل منهم يعمل حرصاً على بيئته ومناطق نفوذه السياسي. وحده تيار المستقبل غائب، التيار الذي كان أول من يحضر في الساحات. سابقاً وراهناً، لا أحد يحل مكان الحريري في التيار وفي بيئته. لا أحد يطمئن خوالج جمهوره سواه