القطرية إيمان الحمد: “نجوم العلوم” انطلاقتي الحقيقية وأطور ابتكارات لتجويد التعليم عن بعد
احتلت المرتبة الثالثة في منافسات برنامج “نجوم العلوم” التلفزيوني التعليمي، الذي تنظمه سنويا مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وبهذا أصبحت المهندسة إيمان الحمد أول قطرية تصل إلى نهائيات المسابقة في دورتها 12، بابتكار “آمنة” الذي يدعم خصوصية مستخدمي تكنولوجيا الاتصالات، ويحميهم من الاختراقات.
وترى المهندسة القطرية إيمان في حديثها للجزيرة نت، أن برنامج “نجوم العلوم” أعطاها دفعة قوية لمواصلة مسيرتها ومشاريعها في مجال الاتصالات وخدمة المجتمع؛ بل زاد حماسها لتوفير مزيد من الحماية لمستخدمي تكنولوجيا الاتصالات في قطر والوطن العربي، وهي الآن تسعى لنيل براءة اختراعها قبل تسويقه، وتتطلع للمساهمة في نشر ثقافة الابتكار في صفوف اليافعين والشباب وتطوير مهاراتهم.
ومن موقعها كمبتكرة، توضح إيمان الحاصلة على ماجستير “أمن المعلومات” من جامعة “نوتنغهام ترنت” في بريطانيا أن هذا العصر، الذي يشهد بداية ما أسمته بـ”الثورة الصناعية الرابعة”، وتوجها سريعا نحو تعزيز البيئات الذكية وتوظيف الذكاء الاصطناعي في عدد من مناحي الحياة، بات يستدعي بذل جهود موازية لحماية هذا الانفتاح من الاختراقات، التي تطال خصوصية المستفيدين، وتأمين حياتهم بشكل أكثر كفاءة. وفيما يلي نص الحوار:
كانت الدورة 12 من برنامج نجوم العلوم هذه السنة متميزة ببلوغ أول امرأة عربية وأول قطرية المراحل النهائية بعد تنافس محموم بين أصحاب مشاريع واعدة، هل جاء فوزك بالرتبة الثالثة اعترافا بابتكارك فقط؟ أم تتويجا لمسار دراسي وأكاديمي تدرج في البحث العلمي؟
يمكن قول الاثنين معا، فبقدر ما أرى أن ابتكاري الذي أطلقت عليه اسم “آمنة” قد استطاع نيل ثقة وتنويه لجنة التحكيم ومساندة الجمهور، فأنا أرى فيه أيضا تتويجا لمسار دراسي حرصت فيه على البقاء قريبة من المجالات العلمية والتقنية في كل مرحلة من مراحل التعلم، بدءا من الخطوات الأولى في مدارس قطر الحكومية.
وخلالها حرصت على تطوير نفسي باستمرار لتحصيل أعلى المعدلات والدرجات، وهو ما حقق المراحل الأخيرة، التي حصلت فيها على معدل 92% في القسم العلمي، الأمر الذي فتح أمامي خيارات عديدة، كان أبرزها دراسة هندسة الحاسوب بجامعة قطر عام 2005.
وبشغف كبير نحو مزيد من التحصيل في مجال تطوير الشبكات وتكنولوجيا الاتصالات، وما بدأت ألاحظه من تقدم سريع بهذا المجال، وما يواجهه مستخدمو التكنولوجيا من تحديات تتعلق بالخصوصية، نما بداخلي فضول لأجل تركيز الجهود في هذا المجال.
لكن كان لا بد أن أكمل دراسة الماجستير في جامعة “نوتنغهام ترنت” في تخصص أمن المعلومات، وأستفيد من بيئة البحث العلمي التي تعزز لدى الباحثين إستراتيجيات التفكير الإيجابي، وتكسبهم مهارات البحث عن المعلومة بطرق صحيحة ومن مصادرها الموثوقة، فكانت هذه إحدى المحطات، التي سبقت بدء المشروع وتطويره.
المشاركة بابتكار حديث في مجال التكنولوجيا والاتصالات قادر على إقناع لجنة التحكيم والجمهور ليس بالسهل، خاصة إذا قدم في سياق عربي راهن يستهلك التكنولوجيا، ولا يتحكم فيها، هل كنت واثقة من بلوغ المراحل الأخيرة من المنافسة بهذا الابتكار؟
لم يكن القرار سهلا، فعلى الرغم من الإيمان الراسخ بفكرة المشروع، كان لزاما عليّ تحدي تلك المشاعر السلبية، التي تسيطر على أي منا قبل كل مواجهة، وبالأخص الخوف من الفشل وسيطرة مشاعر الإحباط المسبق.
خضت المنافسة بثقة كبيرة وعيني على المراحل النهائية بعد أن استطعت عبور المراحل الأولى، وتقديم فكرة الابتكار بصورة لائقة نالت ثقة لجنة التقييم الأولي، وفيها عرفت بالابتكار والآليات، التي يقوم عليها، وتطبيقاته، والأهداف التي وجد من أجلها لخدمة المجتمع.
وكل ما أردت إثباته أن العالم يمضي باتجاه الحلول المبتكرة باستخدام التكنولوجيا، والبيئات الذكية في تطور مستمر من مدن ومنازل وتسوق إلكتروني وغيره.
وبات استخدام الإنترنت يستحوذ على حيز كبير في حياتنا؛ لكن بالمقابل زادت التحديات، التي تنتهك خصوصية مستخدمي هذه التكنولوجيا، وأضحت عرضة للاختراق والتوظيف غير الآمن، ومن هنا جاءت فكرة ابتكار تطبيق “آمنة” لسد أي ثغرات إلكترونية أو اختراقات محتملة.
كيف كان شعورك والجمهور يراقب أول قطرية تصل إلى المراحل النهائيات من برنامج نجوم العلوم ذائع الصيت عربيا، وتحتل المرتبة الثالثة بين عشرات المشاركين؟
كان شعورا بالفخر وإثبات قدرة الفتاة القطرية والعربية على المنافسة في مجال الابتكارات وتطوير العلوم، وقد أسعدني تقييم لجنة تحكيم البرنامج، التي أشادت بالفكرة التي انطلق منها الابتكار، خاصة أنه جاء بمبادرة من باحثة قطرية تحمل بداخلها هم تطوير وتأمين نظم حماية المستخدمين من الاختراقات وانتهاكات الخصوصية، ففي سياق عالمي يشعرنا أحيانا بالعجز عن صد مثل هذه الممارسات، يطرح سؤال عريض جدا يتعلق بالخصوصية.
كان دعم الجمهور القطري ومساندته لك من خلال التصويت بكثافة متوقعا، هل استطعت إقناع الجمهور العربي أيضا؟
حصل هذا بالفعل؛ لأن استحقاق الفوز باللقب يحسمه تصويت الجمهور بنسبة 50%، ولمست تشجيعا كبيرا من الجمهور القطري ومن المقيمين خاصة المهتمين بالحياة العلمية والتكنولوجية، ومثّل بلوغ متنافسة قطرية دافعا قويا لمناصرتها حتى تصل المراحل النهائية، وزكى هذه المساندة تشجيعا كبيرا من متابعي البرنامج في الوطن العربي، خاصة من الجزائر وتونس وسلطنة عمان، إضافة لدول عربية أخرى.
كيف تعرفين هذا الاختراع الذي استطاع نيل ثقة لجنة التحكيم والجمهور، وما الغايات التي وجد من أجلها؟
هو تطبيق يعمل على حماية خصوصية المعلومات باللغة العربية، ومنصة تضمن التعامل بشكل فوري مع عمليات الاحتيال عبر الهاتف من خلال التعرف على الصوت، وتحويل الكلام إلى نص مكتوب، ثم يتم تحليل النص، الذي تم تسجيله من خلال محرك باللغة العربية لاكتشاف محاولات السرقة بعد عملية تحليلية تنبه المستهلك في لحظتها.
وهذه التقنية هي الأولى من نوعها في المنطقة، وتجمع بشكل فريد بين الخوارزميات والذكاء الاصطناعي؛ لتحديد وتحليل المحادثات العربية في الوقت الحقيقي، مما يوفر حماية سريعة ضد محاولات الاحتيال، كما يضمن مستوى أمان وصلاحية كبيرين للتحكم في الإعدادات واختيار درجة حساسية النظام بين الشدة والتوسط، وطريقة عرض التنبيهات والإشعارات الصوتية، وميزات أخرى، هو باختصار نظام حماية يؤمن خصوصية المستخدمين بكفاءة بعد إخضاعه لتجارب عملية وتقييم.
لطالما تكيفت الاختراقات المتعددة مع أي حلول جديدة تحمي مستخدمي التكنولوجيا، هل هو سباق مستمر لإثبات الأقدر على الصمود وتطوير الآليات والأساليب؟
هذا صحيح، هذه الانتهاكات في تطور مستمر في كل لحظة، بأساليب جديدة يكون ضحاياها مستخدمو تكنولوجيا الاتصالات، من هنا فكرت في ضرورة ابتكار درع يحمي من أي انتهاك للخصوصية، ويؤمن التكنولوجيا التي بين أيدي الناس، ويجنبهم عمليات الاحتيال، ما دام أن جهود التوعوية لم تفض إلى نتائج ملموسة، وتضع حدا لهذا الخطر المستمر.
كذلك هناك حافز آخر عشته من تجربة شخصية دفعني لهذا الابتكار، إذ سبق أن كنت ضحية عملية احتيال واختراق إلكتروني، وهذا ما زاد إصراري لبذل مزيد من الجهود لتطوير فكرة الابتكار بشكل عملي، والذي آمل أن يكون إضافة حقيقية للجهود المختلفة التي تبذل لحماية مستخدمي التكنولوجيا.
ما هي الحلول التي تقترحينها لتعزيز الأمان وحماية خصوصية مستخدمي تكنولوجيا الاتصالات؟
أكثر من 85% من عمليات القرصنة التي يتعرض لها العالم اليوم تدار بأشكال متعددة من أشكال الهندسة الاجتماعية، وأحدها عمليات الاحتيال، وإذا استطعنا تأمين هذا الجانب فسنتمكن من تقليل الانتهاكات، ما دام أن العنصر البشري يبقى الأضعف في تأمين الحماية.
ويتجه العالم إلى الاعتماد على التكنولوجيا والإنترنت لتسهيل المهام اليومية، كالمعاملات البنكية والدراسة عن بعد والمعاملات الحكومية، وهذا كله معرض للخطر؛ إذ من المنتظر أن تكون تقنيات أمن المعلومات جزءا أساسيا فيما يمكن تسميته بـ”الثورة الصناعية الرابعة”.
فضلا عن هذا، تشير التقديرات إلى أن التصيد الاحتيالي شكل 50% من عمليات الاحتيال المالي عام 2018، وهناك تزايد في عمليات التصيد الاحتيالي الصوتي عبر الهاتف من المجرمين الإلكترونيين؛ لذلك فإن المستخدمين في حاجة ماسة إلى الحماية الكافية ضد هذا الخطر المتفاقم.
ولهذا نريد تطوير آليات تعرف الشخص على كيفية حماية نفسه وتفعيلها بكفاءة؛ لأنه مهما طورنا في التكنولوجيا يبقى تدني درجة الاستعمال وضعف الحماية لدى الأشخاص، الثغرة الكبرى التي يتسلل منها المحتالون ومنتهكو الخصوصية، وبالتالي أرى أن ابتكار “آمنة” بما يحمله من مواصفات تساعد في تنبيه الناس حال تعرضهم لعمليات احتيال، يعد أحد أوجه التحرك السريع في هذا الصدد.
يؤدي النادي العلمي في قطر دورا بارزا في تعزيز المواهب من أجل الاختراع والابتكار في مجالات التكنولوجيا والمجالات المختلفة، هل استفدت من هذه الجهود؟
يحق لنا في قطر أن نفخر بالدور الذي يؤديه النادي العلمي وكافة مؤسسات دعم البحث العلمي وتشجيعه، ولطالما أدى النادي دورا بارزا في تشجيع الشباب الطموح على الابتكار والمنافسة بالابتكارات في المسابقات الدولية، ودعم بحوثهم العلمية وتحفيزهم لمزيد من الأفكار الإبداعية، وتوفير البيئة المناسبة التي تجمع أصحاب الأفكار والآراء.
وبالنسبة لي، فقد كان للنادي العلمي دور كبير في تسويق ابتكاري ودعمه في مسابقات برنامج العلوم، ودعم التصويت لصالحي، وهي تجربة مؤسسية ستشجع مزيدا من المبتكرين على أن يسلكوا هذا المسار الطموح، الذي يطور بيئة الابتكار في قطر، ويساهم في تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار العلمي المختص قادر على معالجة كثير من التحديات الإقليمية.
ظاهر أن طموحك لن يتوقف عند هذا الحد، ما هي المشاريع التي تعتزمين تطويرها مستقبلا؟
إضافة إلى التطبيقات الآمنة في مجالات الاتصالات، أتطلع للعمل على مجموعة من المشاريع في الفترة المقبلة، وأحدها الذي ما يزال قيد الدراسة يتعلق بالمساعدة في تحسين تجربة التلاميذ في التعلم عن بعد، واستثمار التقنيات الحديثة لتوفير بيئة افتراضية تحاكي النظام المدرسي، بحيث يتلقى الطالب المادة العلمية بطريقة تفاعلية أكثر جدوى وفائدة، إضافة إلى مشاريع لها علاقة بتأمين مجال التسوق الإلكتروني ومحاولة طرح بعض الحلول من أجل توفير طرق آمنة للحفاظ على سرية المستخدمين.
وفي الشق الاجتماعي، أعمل على مشاريع تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالتحديد الفئة التي تعاني من إعاقة بصرية، وأطمح لتطوير أنظمة قراءة الصور لإدماجهم في حياتنا بشكل أكبر، وعدد آخر من المشاريع التي تخدم المجتمع.
بعض المبتكرين يطورون مشاريعهم بشكل فردي وأنت منهم، وآخرون يعملون ضمن فرق عمل متكاملة، هل ترين أن الجهد الجماعي يخدم مجالات الابتكار أم العكس؟
طبعا، هذا مؤكد وتشهد عليه كثير من الابتكارات؛ إذ لا بد في مجال الابتكار من روح الفريق التي تجمع بين الأفكار والإدارة والتسويق والاستثمار ووضع الخطط، وخلق الانسجام بين شباب طموحين، حتى يمكن إخراج الجديد بطريقة صحيحة، وكوني عملت في هذا المشروع بشكل فردي، فهذا لا ينافي إيماني العميق بتكامل الأدوار بشكل جماعي.
ثم لا بد من تعزيز الاتساق بين بعض المهارات الضرورية على مستوى الرؤية والخطط، فكلما كان الفريق منسجما، كان أقدر على تأدية دوره بشكل صحيح، ورسم خط سيره على طريق النجاح.
احتفت وسائل التواصل الاجتماعي بفوزك وقصة نجاحك، هل ترين قصتك ملهمة للشباب القطري؟
المجتمع القطري يحتفي بكل من يسير على طريق النجاح، أما رسالتي إلى الشباب القطري فهي الانطلاق من الإيمان بالذات أولا، ثم تطوير الأفكار وترجمتها إلى قدرات، فكل فكرة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، والتغيير ممكن، ولا بد من الانخراط في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، وأهداف التنمية المستدامة في بلدنا، ودور الشباب كبير في هذا الشأن ليقول كلمته بصوت عال.
المصدر : الجزيرة