لم يعد باستطاعة أحد إحصاء الأزمات التي تُثقل يومياتنا. بات الفرد اللبناني ينتقل من عقبة لأخرى، من مأزق إلى آخر. ليس الحديث عن كماليات وعن إحياء أعياد ومناسبات، بل جلّ ما يشغل غالبية الشعب اللبناني هو تأمين لقمة العيش يوماً بعد يوم. فما يحمله اللبناني من ليرة أو دولار إن وُجِد، فهو كافٍ ليشتري حاجات يومه. ويومه ليس كغده، فأسعار السلع تتغير لحظياً وكأنها أسهم في بورصة.أسعار السلع الأساسية دخلت بازار الجشع. بعضها تأثّر بتغيّر سعر الدولار الذي بدوره تقلّب بفعل الفساد والنهب، وبعضها الآخر ارتفع نتيجة غياب رقابة الدولة، وبالتالي نعود في التفاصيل إلى الفساد والنهب. لكن في المحصلة، المواطنون يدفعون ضريبة تركيب نموذج سلطوي سياسي يسرقهم كسلسلة متنقّلة، من المستوردين إلى الموزّعين فالبائعين. وكل هذا التسلسل يرجع إلى قواعد وضعها ساسة أنهكوا البلاد بفسادهم، وصولاً إلى حد عدم قدرتهم على التحكّم بالفساد ونتائجه.تفلّت الأسعارأسعار السلع تخطّت كل التوقعات، وكلّ من يؤكد وضعه لائحة أسعار، فهو لا يتوخّى الدقة ما لم يحدد تاريخ انتقائه للأسعار. فما يُسجَّل اليوم، لا يُسجّل غداً، من علبة الفول إلى سندويش الشاورما إلى كيلو اللحم. لا شيء يبقى على حاله لأكثر من 24 ساعة.تسجّل الدولة أسعار السلع عن طريق وزارة الاقتصاد. تحاول جاهدة لجم الأسعار وضبط ما تسميه “مخالفات”، لكن في الواقع، لا مخالفات في نظام اقتصادي حر يضمن تفلت الأسعار بحجة قانون العرض والطلب. وبالتوازي، تحاول مبادرات فردية وجماعية خاصة، تسجيل واقع الناس اليومي قدر الامكان، وهذا حال جمعية حماية المستهلك التي تختلف أولوياتها عن أولوية الدولة، فتضع في سلتها الغذائية أصنافاً حياتية أساسية حقيقية، ومنها اللحوم التي يمكن وصفها بأنها والدولار صنوان.جولة فردية على التعاونيات (السوبرماركت)، كافية لإثبات أن ما يبتاعه الفرد اليوم، قد لا يحظى به غداً. السلع متوفرة، لكن أسعارها قد لا تتوفر في يد كل الزبائن. وكل سلعة قد ترتفع بمعدلات متفاوتة، منها ما هو مُحتَمَل، كارتفاعها بنحو 250 ليرة، ومنها ما لا يُحتَمَل، كارتفاعها بنحو 2000 ليرة، وأكثر. وهُنا، لا بد من الاشارة إلى أن نتائج فارق الأسعار يؤخذ بحسب الفاتورة النهائية للسلّة المشتراة، وليس بحسب كل سلعة على حدى.هل من رقيب؟ بالتأكيد لا، فوزارة الاقتصاد تقول بأنها تراقب الأسعار، لكن فعلياً، إن رقابتها مخالفة للقوانين. فلبنان يتبع نظاماً اقتصادياً حراً، لا تحديد فيه للأسعار. أما ما يؤخذ على أنه سلع مدعومة، فمراقبته يرتبط بتأمين عديد بشري ينطلق إلى كل دكان في الأحياء، وبقرار سياسي بالتغيير. وهذا كله ليس موجوداً اليوم. وبالتالي، لا رقابة على الأسعار، ولا حماية لحقوق المستهلكين.من المستوردين إلى الواقع