إقليمي و دولي

انتخابات برلمان مصر.. من مكتسبات الثورة إلى انتكاسة الانقلاب

قبل 9 سنوات، وقف ملايين المصريين أمام لجان الاقتراع للمشاركة في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وعلى اختلاف المرشحين المنافسين اشترك الناخبون في التصويت للحرية والرهان على طيف الديمقراطية الوليدة. غير أن أحدهم لم يتوقع أن الأعوام القادمة ستحمل في طياتها مولد نظام يجعلهم عازفين عن مجرد المتابعة لأي استحقاق انتخابي.

وتبدو عناصر المقارنة زاعقة بين الانتخابات البرلمانية التي جرت في أجواء الثورة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وتلك المنعقدة حاليا التي تشهد أجواء جولة الإعادة بها، على مستويات نسب المشاركة والنزاهة وتمثيل المرشحين للأطياف المجتمعية.

وبقدر ما يبدو الاختلاف شديدا بين انتخابات الثورة وما يجرى تحت مظلة الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013 عندما كان وزيرا للدفاع، فهناك تشابه كبير بين أجواء الانتخاب الحالية وتلك التي عُقدت عام 2010 خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة في اندلاع ثورة المصريين.

النزاهة والفساد

لعقود طويلة ظل الناخب المصري الطرف الأقل ثقلا في المعادلة الانتخابية سواء البرلمانية أو الرئاسية، وهو ما جعله إما عازفا عن المشاركة في الاقتراع أو متشككا في النتائج أو راضيا -حسب مراقبين- بالرشاوى الانتخابية من منطلق الاستفادة من واقع لا يمكن تغييره.

ذلك الواقع يمكن الكشف عن جزء من وجهه عبر بيان أصدره مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان قبل آخر انتخابات برلمانية أجريت في عهد مبارك في نوفمبر/تشرين الثاني 2010.

وأكد البيان أن مناخ التخويف غير المسبوق الذي صنعته السلطات داخل وسائل الإعلام، والحملة العنيفة المتصاعدة للتضييق على الحق في التجمع السلمي والمشاركة السياسية، هو مؤشر لانتخابات تنعدم فيها المعايير الدولية للنزاهة، وتستند إلى فساد تشريعي ودستوري وتسلط إداري وأمني، وتشير إلى أن تزوير إرادة الناخبين قد بدأ مبكرا.

ولم يكن أدل على صحة ما ذكره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حول التجاوزات الانتخابية، من استحواذ الحزب الوطني الحاكم على 94% من مقاعد البرلمان وقتئذ.

إقبال وحرية وتنافس

لكن ثورة المصريين، التي اندلعت بعد أيام قليلة من انعقاد أول جلسة لبرلمان الحزب الوطني، أعادت للناخب ثقته في صوته الانتخابي وحماسته تجاه دوره في بناء مستقبله؛ لذا ظهرت لأول مرة صفوف يصل طولها عشرات الأمتار تنتظر المشاركة في عملية الاقتراع التي أجريت أواخر 2011 لانتخاب برلمان حقيقي.

واتسمت انتخابات الثورة بأجواء الحرية والتنافس الحقيقي بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، وانتهت بفوز الأحزاب ذات الأيديولوجية الإسلامية بأكثر من 65% من أصوات الناخبين.

وفي أجواء مناقضة تماما، تجرى الانتخابات البرلمانية الحالية حيث لا تنوع في القوى السياسية المتنافسة، والجميع مؤيد للسلطة الحالية، فضلا عن عودة مشاهد الرشاوى الانتخابية وتسويد بطاقات الاقتراع.

وفي ظل حالة الموات للحركة الحقوقية بعد الحملات الممنهجة لقتل واعتقال أفرادها من قبل السلطة، لم يكن هناك مراقبة مدنية جادة على الانتخابات الحالية، غير أن من كشف التجاوزات هم المرشحون أنفسهم.

فقد أكد مدحت الشريف عضو مجلس النواب، والمرشح في الانتخابات الحالية، أن ظاهرة المال السياسى تنتشر بشكل كبير في الدوائر الانتخابية وتمثل أزمة كبيرة قد تقود مصر إلى الهاوية.

واستطرد في تصريحات صحفية “شراء الأصوات يؤدي إلى وصول الفاسدين وأصحاب المصالح إلى البرلمان، وقد رأيت تأثير ذلك في الدورة السابقة خلال مناقشة قانون الاستثمار مع ظهور ضغوط من جماعات المصالح للإبقاء على أمور معينة في التشريع، ونجاح هؤلاء يؤدي إلى فقدان المواطنين ثقتهم في مؤسسات الدولة، ويدفعهم للعزوف عن الانتخابات”.

وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الصور ومقاطع الفيديو لمرشحين وممثلين عنهم يوزعون رشاوى انتخابية سواء كانت مبالغ مالية أو سلعا غذائية، إلى جانب شكاوى من تسويد بطاقات انتخابية لصالح قوائم بعينها، وطرد مندوبي المرشحين من لجان الاقتراع.

تلاعب وتجاهل

ولا تتوقف الأمور عند حد الرشاوى وتسويد البطاقات، حيث تمتد إلى ماهية المرشحين. فمثلا أظهرت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات فوز مرشح حزب “حماة الوطن” أحمد عبد السلام قورة، وهو صاحب إحدى أشهر قضايا الفساد خلال السنوات الأخيرة.

وتورط قورة في الاستيلاء على 26 ألف فدان بمنطقة العياط بالجيزة، من خلال شراء الفدان بمبلغ 200 جنيه فقط بغرض الاستصلاح والزراعة، لكنه باعها بأسعار باهظة  للاستخدام في النشاط العمراني على نحو يخالف القانون.

ورغم أنه تقرر في أبريل/نيسان 2013 منعه من السفر ووضعه على قوائم ترقب الوصول، فإنه وبعد الانقلاب العسكري موّل حملات انتخابية للسيسي خلال الانتخابات الرئاسية، واستطاع الانضمام إلى حزب “حماة وطن” وظل مصير قضية الفساد مجهولا.

كما يتكشف إشراف السلطة على فساد الانتخابات بشكل جلي عبر تباين نتائج محاضر فرز الأصوات وعدد الأصوات التي جمعت من اللجان الفرعية.

فقد أكد مرشح الحزب المصري الديمقراطي بمحافظة الجيزة، محمد فؤاد، التلاعب في أرقام الناخبين لصالح مرشحي حزبي “مستقبل وطن” المدعوم من السلطة، والشعب الجمهوري.

وأوضح فؤاد، من خلال بيان نشره على حسابه على فيسبوك، أن الكشوف الرسمية تقول إن من انتخب في منطقتي العمرانية والطالبية خلال يومي الانتخاب حوالي 55 ألف ناخب، لكن النتيجة التي أعلنتها اللجنة العامة المركزية وتقول إنني حصلت على 64 ألف صوت.

أيضا ثمة جانب آخر لوجه الفساد في الانتخابات الحالية وهو الخاص بدفع الراغبين في الترشح على قوائم الأحزاب أموالا مقابل ذلك، خاصة حزب “مستقبل وطن” الذي فاز بالأغلبية البرلمانية في انتخابات 2015، ويعده كثيرون البديل الجديد للحزب الوطني “المنحل”.

وتداول رواد مواقع التواصل اتهامات بحصول الأحزاب على ملايين الجنيهات من الراغبين في الترشح على قوائمها، وما أكد تلك الاتهامات البيان الذي أصدره المرشح عن حزب “مستقبل وطن” طارق مخيمر، بعد خسارته السباق الانتخابي، حيث طالب فيه الحزب برد المبلغ المالي الذي دفعه له من أجل دخول البرلمان والمقدر بـ 8 ملايين جنيه.

ولكن الحزب أصدر بيانا أكد أنه حصل على المبلغ المذكور في إطار التبرع وبرغبة من المرشح.

وفي نفس دائرة الاتهام، هاجم المحامي مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، والذي خسر السباق الانتخابي بمحافظة الدقهلية، منافسه المنتمي لحزب “مستقبل وطن” قائلا “أنا ما دفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني في القائمة”.

وتساءل خلال لقائه بأهالي دائرته الانتخابية “اللي يدفع 50 مليون جنيه ده يبقى معاه كام؟ وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم إزاي؟”.

ومع ذلك كله تجاهلت الهيئة الوطنية للانتخابات كل مظاهر فساد العملية الانتخابية، بل وأعلنت أنها تلقت 248 تظلمًا خلال المرحلة الأولى من الاقتراع، ونظرت فيها جميعها، وانتهى في البعض منها إلى عدم قبولها شكلا والبعض الآخر لرفضها موضوعا.

المشاركة.. العزوف

تعتبر نسب المشاركة في الانتخابات المؤشر الأصدق على مدى ثقة الناخب في عملية الاقتراع برمتها، لذلك كان طبيعيا أن يكون الإقبال على المشاركة في انتخابات ما بعد الثورة هو الأعلى في تاريخ مصر.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، أعلن رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات أن نسبة الإقبال بلغت62% في المرحلة الأولى من الانتخابات.

في حين لم تتجاوز نسب الإقبال في الجولة الأولى من الانتخابات الحالية 28% من إجمالي من يحق لهم التصويت.

أما نسب الإقبال فلم تتجاوز 14% خلال انتخاب مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) والتي كانت قد ألغيت بعد الثورة ثم عادت بموجب قانون جديد، وعقدت في أغسطس/آب الماضي.

فروقات هائلة

من جهته رأى النائب البرلماني السابق الدكتور عز الدين الكومي فروقات هائلة بين الانتخابات التي جرت في أجواء الثورة، وبين التي تجرى في عهد السيسي.

وأوضح الكومي للجزيرة نت أن الفيصل للفوز في الانتخابات الحالية للمال والرشاوى الانتخابية والتربيطات مع الجهات الأمنية التي أشرفت على اختيار المرشحين، حسب تعبيره.

وأمام الفساد الذي يزكم أنوف المواطنين، قاطع الناخبون عملية الاقتراع، حسب الكومي الذي قال “ومن ذهب للانتخاب من الفقراء والمعوزين كان يسعى للحصول مواد غذائية أو مبلغ مالي من المرشحين”.

واسترجع البرلماني السابق أجواء انتخابات الثورة، لافتا إلى النزاهة التي تحلت بها في ظل رقابة قضائية كاملة وثقة الناخب في برلمان يمارس دوره الرقابي ويشرع القوانين التي تكبح جماح الفساد.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن البرلمان الجديد سيكون مشابها لبرلمان 2010 الذي مهد للثورة.

وعلى النقيض تماما، رأت عضو المجلس القومي للمرأة الدكتورة رانيا يحيي الانتخابات الحالية مثالا للحراك السياسي الذي يتسم بالشفافية والنزاهة.

وفي تصريحات صحفية قالت إنها لم تلحظ أي عزوف من قبل المواطنين على المشاركة في عملية الاقتراع رغم ما تثبته نسب المشاركة المنخفضة، مؤكدة أن المصريين تشجعوا على التصويت في ظل أجواء افتقدوها في العهود السابقة، حسب قولها.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock
Libanaujourdui

مجانى
عرض