تضحية أم أداء واجب.. لماذا لا تعبّر المرأة عن آلامها عند مرض الزوج؟
انضم كثير من رواد فيسبوك وتويتر للتفاعل بالسلب والإيجاب بشأن الاحتفاء بـ”تضحية” زوجة لاعب الكرة المصري مؤمن زكريا، ومن بعدها النجمة شهيرة، وإصرارها على تمريض زوجها الراحل محمود ياسين.
فغالبا ما يتم تصوير رحلة المرأة في رعاية زوجها المريض بمرض عضال بالتضحية الجميلة والمحبّة. وسواء كان ذلك واجبا أم فضلا، فإنها في النهاية صورة زوجية مثالية تتحقق من خلالها أهداف السكينة والدعم المرجوة من الزواج، لكن المواقف الحياتية اليومية تكشف عن حالات أخرى صادمة تثبت أن الواقع ليس جميلا لدى كثير من الأسر.
تجارة رابحة
“محاسن” التي اختارت لها اسما مستعارا لتبوح بقصتها عن سبب قبولها خدمة زوجها بعد إصابته بنزيف في المخ نتجت عنه إعاقة ذهنية وجسمانية، قالت “لم يكن حبا، كنت مسيّرة أمام قضاء الله، ولا خيار لي في قبول أو رفض. هي تجارة رابحة مع الله وقد فرضها علي”.
تروي محاسن قصة 7 سنوات لا تعرف لنهايتها موعدا، وتتذكر قبل ذلك الحادث بأيام قليلة وهي تخبر ابنتها الوسطى بقرارها الانفصال عن الأب، ليتحول الوضع بعد أيام وتصبح جليسته على مدار الساعة؛ فتشمل مهامها الإطعام، وتنظيم مواعيد الأدوية، وعمل جلسات علاج طبيعي، وتوفير المال من مصادر عدة، وتغيير الحفاضات، والنقل عند الحاجة، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي.
اضطرت محاسن إلى التخلي عن عملها قبل 3 أعوام من سن التقاعد، وأهملت متابعة حالتها الصحية، ورفضت الخضوع لعملية إزالة ورم ليفي لكي لا تتخلى عن واجباتها تجاه زوجها، رغم تذكرها تحذير الطبيب “ستموتين قبل أن يموت زوجك الذي ترعينه”.
حب أم شعور بالذنب؟
يمكن أن تؤدي إصابة أحد طرفي العلاقة بمرض خطير إلى ظهور عدم المساواة بين الجنسين بصورة صادمة، فقد نشرت الجمعية الأميركية للعلوم الاجتماعية، عام 2015، دراسة عن تأثير الصحة والتقاعد على العلاقات الزوجية، تتبع خلالها الباحثون 2701 علاقة، ليكشفوا عن أن 6% فقط من العلاقات الزوجية تنتهي بالطلاق في حالة مرض أحد الطرفين.
لكن الدراسة أثبتت أيضا أن معظم حالات الطلاق تلك وقعت بقرار من الزوج لتضرره من مرض الزوجة. وأكدت دراسة سابقة لمعهد الصحة الأميركية أن أقوى مؤشر على الانفصال عن الشخص المريض هو ما إذا كان الشخص المريض امرأة أم لا، فالرجال أكثر عرضة 7 مرات لترك شريكاتهم إذا أصابهن المرض.
وتختلف الأسباب الخاصة بقبول النساء الاضطلاع بالدور الأكبر عند وجوب التضحية، من الحب، إلى حكم الآخرين عليهن إذا رفضن، أو -مثلما روت محاسن- الشعور بالذنب، ففي لحظة صدق عبّرت عن ندمها على كل لحظة ثنته فيها عن السهر مع أصدقائه، واتهامه ذات مرة بتفضيل الموت مع أصدقائه على قضاء وقت مع بناته، النبوءة التي تحقق نصفها، وعاد الأب من آخر سهراته طفلا لا يكبر، على حد وصف محاسن، التي تطلب منه مسامحتها على “ليالي النكد” كل يوم، حسب وصفها.
واجب أم خيار واع؟
يظهر على السطح شيء لا تتحدث عنه زوجات مررن بتجارب مشابهة، فالحزن لا يبدأ في اليوم الذي يموت فيه الشخص. فقد نشعر بالخسارة عندما يكون الشخص على قيد الحياة، ولأن عقلنا يركز على مواعيد الطبيب والعلاج، ولأن الشخص لا يزال هنا، فربما لا ندرك أننا بدأنا بالفعل نحزن على فقدان شخص نحبه حزنا يظهر في إلقاء اللوم على النفس، بل أحيانا تتحول المرأة أمام نفسها إلى الطرف المسيء، مثلما فعلت “هدى”.
لا ترى هدى -اسم مستعار- أزمة في زواج الرجل من امرأة أخرى إذا مرضت زوجته، وهي التي تعهد والدها عند زواجها بتحمل نفقات علاجها كاملة، واستضافتها عند مرضها، فهذا ما رُبّيت عليه. وتؤكد على صحة رأيها بثقة، ربما لكونها بمأمن من وقوع ذلك، فقد تخلت عن حقها في الإنجاب بعد إصابة زوجها بمرض مزمن منذ الشهر الأول من زواجهما.
فعلت هدى ذلك بدافع الحب، ولا تنكر انتهازها فرصة ركوب المواصلات وسط أناس لا يعرفونها، لتبكي حزنا على تقصيرها كلما خرجت إلى العمل، وتركته وحيدا.
دليل الزوجة الراعية
تميل النساء إلى الاعتقاد بأنه يجب عليهن أن يكن مقدمات رعاية لدرجة أنه لا يخطر ببالهن في كثير من الأحيان أنه يمكنهن أخذ إجازة، فضلا عن أنه قد يكون لديهن خيار آخر. فبالإضافة إلى التعامل مع المأساة، تعاني النساء الإرهاق الجسدي والعاطفي والمالي بصفتهن مقدمات الرعاية الرائدات في العالم.
ولذلك قدمت ديانا دينهولم كتابها “دليل الزوجة الراعية: الاعتناء بزوجك المصاب بمرض خطر، والاعتناء بنفسك” لمساعدة النساء بنصائح عدة في دورهن الفريد:
1- ينبغي أن يتعلم الزوجان كيفية عيش اللحظة الراهنة بإيجابية، فقد يجد المريض وزوجته معنى وجمالا جديدا في الحياة، وقوة في الحب.
2- يحق للمرأة تحديد المهام التي يلزم أن تقوم بها والأدوار التي ينبغي أن تتجنبها، وفهم ما هو “الطبيعي” في ما تمر به وتشعر به، والاعتناء بنفسها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة بل وتستمتع بوقتها.
3- من المطمئن والمريح جدا أن يتحدث الزوجان عن مشاعرهما، وعزمهما على مواجهة عواقب المرض معا بغض النظر عما سيحدث.
4- من المهم الاستماع إلى رغبات الزوج المريض، ليحدد هو احتياجاته، خاصة أن معظم مرضى السرطان يشعرون بالضغط للحفاظ على صلابتهم النفسية، لأنهم لا يريدون أن يخيّبوا ظن زوجاتهم أو يثقلوا كواهلكن.
5- يمكن طلب المساعدة من الأصدقاء والعائلة، وتوجيه أولئك الذين يريدون المساعدة إلى المشاركة بطريقة عملية، فيمكن للأصدقاء والعائلة المساعدة في رعاية الأطفال وإعداد الوجبات وزيارات المستشفى.
6- أحيانا يكون الحزن معقّدا فينتج عنه الأرق أو الخوف المفرط أو الاكتئاب أو الأفكار الانتحارية، وهنا ينبغي طلب المساعدة الفورية من أحد الأطباء النفسيين.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية