المرأة

تقربا لله.. المغنية المسيحية سايرة بيتر صاحبة أول أوبرا صوفية في العالم

لم تقف الأصول المسيحية، للمغنية البريطانية من أصول باكستانية سايرة بيتر، مانعا أمام إعجاب هذه المغنية بالأشعار الصوفية الإسلامية بل والتخصص فيها، وأدائها في عشرات القاعات الفنية داخل بريطانيا وخارجها، وقد طورت أسلوبا جديدا بمزج بين تقنيات الأوبرا الغربية والأشعار الصوفية الإسلامية.

وفي هذا الحوار مع الجزيرة نت، تتحدث سايرة بيتر عن سر انجذابها للأشعار الصوفية الإسلامية، والمعاني التي وجدتها في هذه الأشعار، وتكشف عن تفاعل الجمهور الغربي مع المضمون الفني الذي تقدمه بأكثر من 17 لغة.

متى كانت أول تجربة لكِ مع الغناء الصوفي؟

جاءت تجربتي الحقيقية الأولى مع الأغاني الصوفية في عام 2006 بعد الانتهاء من دراسة الماجستير حين قررت تسجيل ألبوم كامل للشاعر الصوفي أمير خسرو (651 – 725هـ/ 1253- 1325م)، وهو أحد أشهر الشعراء الصوفيين في الهند في القرن السابع الهجري ويطلق عليه “صوت السند”، بعدها وفي سنة 2014 كنت رئيسة لجنة في برنامج غنائي باكستاني اسمه “صوت السند”، ولفت انتباهي الغناء الصوفي وانجذبت له أكثر.

لاحقًا التقيت خادم ضريح الشيخ الصوفي الشهير شاه عبد اللطيف بهتائي (1102- 1165هـ/1689- 1752م) الذي عرف عنه نقل معاني الإسلام في شعره، وطلب مني خادم الضريح التفكير في نقل شعر الشيخ الصوفي إلى جميع أنحاء العالم، وقادني هذا في النهاية إلى إقامة حفل صوفي في كراتشي حضره العديد من مشاهير البلاد.

ما الأسباب الذي جعلتكِ تهتمين بالأغاني الصوفية دون غيرها؟

إن امتلاك القيم الروحية الصوفية التي ورثتها عن عائلتي دفعني في النهاية إلى التضحية بتخصصي في العلوم، ومع كل الاضطرابات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أردت أن أعرف الفترات التاريخية التي تعايشت فيها المجتمعات من خلفيات متنوعة وبشكل ناجح.

وأنجزت رسالة ماجستير عن الإسلام والغرب في جامعة كوين ماري في لندن، الأمر الذي ساعدني على فهم السياقات التاريخية المحيطة بالشعراء العظماء مثل ابن عربي وابن الفارض، ثم اشتغلت كثيرا على الموسيقى الأندلسية التي تم إنتاجها في قرطبة، فوجدت أن هؤلاء الشعراء المتصوفين أكدوا على القرب من الله لأنهم أدركوا أنه عندما نحقق ذلك يمكننا بناء مجتمع حقيقي قائم على الحب، وسرعان ما أدركت أن الموسيقى شيء يمكن أن يقرّب الناس بقوة من الله ويجمعهم أيضًا. وفكرت كيف يمكنني أيضًا استخدام غنائي لتعزيز الانسجام في عالمنا.

ما المعاني الروحية الموجودة في الشعر الصوفي؟

يطالب الشعر الصوفي مستمعيه بالتأمل في حب الله وجعل هذا الحب مشكاة لحياتهم، وإظهار التعاطف، والتسامح، والتضحية بالنفس، والحب غير المشروط لبقية الناس، ولقد تأثرت بشكل خاص بابن عربي، الذي منحه حاكم منزلاً ثم أعطاه ابن عربي لمتسول بلا مأوى لأنه اشتهر بتعاطفه مع الفقراء. وإذا بدأت البشرية جمعاء في العيش وفقًا لهذه القيم الصوفية، واهتم كل شخص بجاره المحتاج، سيصبح عالمنا مكانًا أكثر سلامًا. هذه القيم جعلتني أكرس نفسي للموسيقى الصوفية.

كيف يتفاعل الجمهور الغربي مع الأغاني الصوفية الإسلامية؟

تعلمت أنه لكي أنقل رسالة الصوفية، من كبار المتصوفين مثل ابن عربي وابن الفارض وغيرهما، إلى الجمهور الغربي، فأنا بحاجة إلى تقديمها بطريقة ملائمة ثقافيًا، ولذلك درست الغناء الكلاسيكي الغربي والأوبرا على وجه التحديد. ونتيجة لذلك، سمّتني وسائل الإعلام الباكستانية والشرق أوسطية بأنني مغنية “الأوبرا الصوفية” وبدأت في إنتاج الأغاني الكلاسيكية الغربية مع الشعر الصوفي.

وفي عام 2016 نظمنا مهرجانا صوفيا في لندن. قمت بأداء دويتو صوفي مع الممثل والمغني البريطاني البارز مايكل روس. كما رافقنا مدربي البريطاني بول نايت على البيانو. لقد أحبها الجمهور الدولي حقا وأخبرنا الكثير بعد ذلك أنهم تعلموا الكثير وأدركوا لأول مرة عمق المعنى في الشعر الصوفي.

قمتُ أيضًا بجولة في العديد من الجامعات الأميركية، حيث ألقيت محاضرات وعزفا للموسيقى الصوفية. وكان تفاعل الأساتذة والطلاب دائمًا إيجابيا للغاية تجاه الأغاني الصوفية، حتى أنني تلقيت ترحيبا حارا من ألف طالب وأستاذ بعد أداء أغنية “أوبرا صوفية” في مجلسهم.

كيف يتفاعل معكِ الجمهور المسلم خلال أدائك لتلك الأغاني؟

ربما أكثر من 60% من جمهوري هم مسلمون، وهم يرحبون بي بحرارة أينما ذهبت. وتقوم وسائل الإعلام الباكستانية وفي الشرق الأوسط بالتنويه والإعلان عن عروضي الصوفية ومشروعي “الأوبرا الصوفية”. لقد أظهروا لي حبًا عظيما. ويقول الكثيرون منهم إنني سفيرتهم، وأحمل قيمهم عن الوئام والسلام والحب إلى العالم بأسره. كما حصلت على العديد من الجوائز لعملي في هذا المجال، بما في ذلك جائزة شاه لطيف من ضريح شاه لطيف، مما جعلني ثاني شخص بعد الراحلة بينظير بوتو -رئيسة وزراء باكستان السابقة- يتسلمها مباشرة من خادم الضريح.

حدّثينا عن مشروعكِ “أوبرا صوفية”؟

أردت أن أنقل القيم الصوفية إلى الساحة الدولية بلغة عالمية لذلك أقوم بتكييف القصة الصوفية الشهيرة للشاعر الشهير شاه عبد اللطيف بهتائي، وأقدمها للناطقين بالإنجليزية كأوبرا صوفية. كتبت هذه القصة منذ حوالي 300 عام، وتحكي عن امرأة تقود طريقة النقاء والشجاعة والكرامة. وقد تطلب الأمر 3 سنوات للبحث عن هذه القصة وتطويرها إلى مرحلة جديدة باللغة الإنجليزية مع عمل موسيقي مناسب لجمهور دولي. وسنقوم في البداية بتنظيم هذه الأوبرا في لندن بمجرد انتهاء الإغلاق.

ما رسالتكِ للجمهور العربي؟

أدعوهم للتمسك بجذورهم وثقافتهم العربية الغنية وبناءً على دراستي وملاحظاتي كمغنية، فإن الحضارة العربية هي واحدة من أقدم الحضارات مع تراث ثقافي غني من الضيافة والطيبة والكرم والفكاهة والحياة الهادئة التي نحتاجها بشدة في عالمنا سريع الخطى، فتربة الشرق الأوسط هي الميراث الثري للأنبياء الذين مروا من هناك، إضافة إلى اللغة والثقافة القائمتين على الإيقاع والصوت، وإذا أبعدت الإيقاع عن العرب فستذبل عواطفهم وتموت.

أنا أيضًا مندهشة لرؤية مدى فهم العرب للموسيقى، ولم أر مثل هذه الجماهير المتحمسة من قبل، كانت أم كلثوم مغنية رائعة حقًا ولديها أندر القدرات لتكون مثالية مع نوتات طويلة والتعبير عن مجموعة كاملة من المشاعر. وكما قالت مغنية الأوبرا ماريا كالاس، “فقط عندما يستمع المغني والأوركسترا لبعضهم بعضا، ليصبحوا شخصا واحدا، يمكنهم إنتاج موسيقى حقيقية”. أم كلثوم جسّدت هذه الجودة، وأتمنى أن أقوم بأداء أغنيتها “إنت عمري” من جديد أمام جمهور جديد.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock
Libanaujourdui

مجانى
عرض