“مش وقت إنتخابات مبكرة”… ولا تورّطوا الثورة
في أوج الإنهيار الإقتصادي والمالي والمعيشي الذي يغرق فيه اللبنانيّون، وفي حين لم ينتهِ كابوس الـ”كورونا” بعد وما زال عدّاد الإصابات والوفيّات شغّالاً، يتشدّد بعض الأصوات في “الثورة الشعبيّة”، ومنها حزب “الكتائب”، في المطالبة بإجراء إنتخابات نيابيّة مبكرة.
ليس غريباً على أصحاب هذا المطلب أنّ ميزانيّة الحكومة، ووزارة الداخليّة والبلديّات، بأرقامها الحاليّة لا تسمح لها بتاتاً بصرف مبلغ مالي بالمليارات لإتمام عمليّة إنتخابيّة في المناطق كافّةً عبر تجهيز أقلام الإقتراع لوجستياً وتخصيص رواتب لأكثر من 9000 رئيس قلم، فضلاً عن الحملة الإعلاميّة التي تطلقها الوزارة للدعوة للمشاركة في الإنتخابات، بينما الدولة بحاجة إلى مالٍ “مِن غيمة” لسدّ مجاعة الناس وإنقاذ القطاعين التجاري والسياحي من المصيبة التي أوقعتهم فيها التعبئة العامة منذ شهرين حتّى اليوم.وهو الأمر الأوّل والأساسيّ الذي يجعل من هذا المطلب غير قابل للتطبيق.
ثانياً، من أيّ وجهة نظر ينطلق أصحاب مطلب الإنتخاب المبكر؟ إذا كان ذلك انطلاقاً من اعتبار أنّ الشريحة الكبرى من اللبنانيين أخذت العبرة وستصوّت ضدّ الطبقة السياسيّة الحاليّة لصالح المعارضين، فهو لا يعدو كونه مخاطَرة ورهاناً خاسراً، لأنّ الناس اليوم في أضعف موقف إجتماعيّ ومعيشيّ وإنسانيّ منذ ما قبل الحرب الأهليّة ما يجعلهم يسيرون تحت مظلّة مَن يُطعمهم ويستغلّ حالتهم ويشتري أصواتهم ونفوسَهم، وليسوا ناضجين حالياً لإنتاج إدارة جديدة.ثالثاً، صحيح أنّ الثورة الشعبيّة التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 حقّقت ضغطاً فاعلاً في أكثر من مكان وعلى مستويات عدّة، لكن هل اتّفق المعارضون والثوّار على مشروع لنموذج جديد يخوضون المعركة الإنتخابيّة لتحقيقه؟وهل اتّفقوا فعلاً على النظام السياسيّ الأنسب لإدارة لبنان بعد هذه الإنتخابات المُفترَضة، إن كان سيبقى طائفياً على ما هو عليه، أو الإنتقال إلى الفدرلة أو اللامركزيّة أو سواها؟ وهل اتُّفق على المشروع الإقتصادي الجديد؟أضف إلى ذلك، أنّ ٥ أشهر، منذ بداية الثورة، لم تكن كافية لإنتاج قيادات جديدة في مختلف المناطق كي تدرس ترشّحها عن الدوائر الـ١٥، وطبعاً لن يقبلَ الثوّار بتوريطهم، نتيجة الخيارات المتسرّعة وغير المدروسة لبعض الأحزاب المُعارِضة في انتخابات 2018، بخسارة إنتخابيّة تتسبّب لهم بانتكاسة معنويّة وشعبيّة عند مفترَق الطرق الذي وصلوا إليه