من “تسخير الذرة من أجل السلام” إلى العقوبات.. تعرّف على أبرز محطات البرنامج النووي الإيراني
حوّل انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 التعاون الإستراتيجي النووي بین طهران والعواصم الغربية إلی عامل رئيسي للخلافات طوال 40 عاما، وما إن أسهم توقيع الاتفاق النووي عام 2015 في خفض التوتر حتى عادت الأزمة إلى مربعها الأول عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.
بدأ البرنامج النووي الإيراني في خمسينيات القرن الماضي عقب خطاب الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور تحت عنوان “تسخير الذرة من أجل السلام” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953، مما أدى إلى توقيع الشاه محمد رضا بهلوي اتفاق تعاون مع الولايات المتحدة عام 1957، حصلت طهران بموجبه على مساعدات نووية فنية من واشنطن.
وتوّج التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، كلا على حدة مع إيران، بتأسيس مركز طهران للبحوث النووية عام 1967، حيث زودت واشنطن المركز بمفاعل أبحاث بقدرة 5 ميغاواطات، إلى أن خضع البرنامج النووي للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة في 1968 عقب توقيع نظام الشاه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
تجميد البرنامج
وتدهورت العلاقات بين الدول الغربية مع طهران عقب انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، وصلت إلى القطيعة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية عقب اقتحام مجموعة من الطلاب الثوريين مبنى السفارة الأميركية لدى طهران واحتجازهم 52 عنصرا من موظفي ودبلوماسيي البعثة الأميركية لمدة 444 يوما، مما أدى إلى انسحاب الشركات الغربية من المشاريع النووية الإيرانية.
ومع تفاقم الأزمات الداخلية في إيران، ومغادرة العديد من علماء الذرة، وشن نظام البعث في العراق آنذاك حربا عليها، وجد القادة الثوريون أنفسهم أمام أولوية الدفاع عن سيادة البلاد دون مواصلة المشاريع النووية.
ولم تستمر مرحلة تجميد البرنامج النووي الإيراني طويلا، إذ إن تطورات الحرب العراقية وامتناع العديد من الدول الغربية والشرقية عن تزويد إيران بالأسلحة الرادعة غيرت من القناعات الفكرية والدينية لرجال الدين في طهران علی وقع النداءات المطالبة بإحياء البرنامج النووي، مما أدى إلى سماح قيادة الثورة عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية تطورت إلى استئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد نحو عامين.
نشاط سري
وفي تسعينيات القرن الماضي واجهت إيران ظروفا صعبة جدا لتطوير برنامجها النووي بسبب معارضة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وعدم تعاون الأطراف الأخرى مع طهران، مما حدا بالأخيرة إلى أن تبحث عن حلفاء وشركاء جدد لبرنامجها النووي. وما عدا روسيا التي تعاونت رسميا مع الجانب الإيراني، فضلت بعض الدول الشرقية التعاون سريا مع طهران.
ومع تصاعد الحديث عن تعاون باكستاني وصيني غير رسمي مع البرنامج النووي الإيراني، انتشرت مزاعم عن وجود أنشطة نووية غير معلنة في إيران، وهو ما نفته الأخيرة واستدعت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة منشآتها النووية.
وعلى الرغم من أن تقرير الوكالة الدولية عام 1992 أكد سلمية الأنشطة النووية الإيرانية، فإن تقريرها عقب زيارة مديرها الأسبق محمد البرادعي عام 2003 إلى إيران كان سلبيا تجاه تعاون طهران مع الوكالة لا سيما عدم كشفها عن منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز وأخرى للماء الثقيل في أراك، الأمر الذي شكل منعطفا أساسيا في تصعيد الخلافات بشأن البرنامج النووي الإيراني مع الغرب.
بدايات الأزمة
خاضت إيران عام 2003 مفاوضات -بقيادة الرئيس الحالي حسن روحاني الذي كان يشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي- مع الترويكا الأوروبية لخفض التصعيد بشأن برنامجها النووي، توّجت بالتوقيع على اتفاقية “سعد آباد”، وجمدت طهران بموجبها تخصيب اليورانيوم في جميع منشآتها النووية بشكل طوعي، وصدقت بعد فترة وجيزة على البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم الانتشار النووي.
وفشلت “سعد آباد” في العام التالي عندما طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريدها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية.
وبعد استئناف إيران تخصيب اليورانيوم، نقل ملف البرنامج النووي الإيراني من منظمة الطاقة الذرية الدولية إلى مجلس الأمن الدولي، وما زاد الطين بلة هو رد طهران بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي.
وتدحرجت كرة التوتر بملعب النووي الإيراني لا سيما بعد وصول الرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد إلی سدة الحكم، مما أدى إلى فرض 7 قرارات أممية ضد طهران. وبلغ التوتر ذروته عام 2009 عندما تحدثت تقارير أميركية وأوروبية عن قيام إيران ببناء مفاعل “فوردو” النووي قرب مدينة قم جنوب طهران، دون أن تخبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك.
وبقي التوتر سيد الموقف إلى أن أعلنت طهران تخصيبها اليورانيوم بنسبة 20% في 2010، وفشلت على إثرها جميع المفاوضات التي أجريت في إسطنبول (2011) وبغداد (2012) وألماآتا (2013) للتوصل إلى حل مرضي للطرفين الإيراني والسداسية الدولية التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا.
الاتفاق النووي
تجاوب الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني بعيد فوزه في رئاسيات 2013 مع عرض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التفاوض المباشر بينهما لخفض التوتر بشأن البرنامج النووي. وبعد مفاوضات شاقة دامت نحو عام ونصف العام بين إيران والسداسية الدولية، وقع الطرفان عام 2015 على خطة العمل الشاملة المشتركة المعنية بالملف النووي الإيراني.
ويقضي الاتفاق النووي برفع تدريجي ومشروط للعقوبات عن إيران مقابل ضمانات بأنها لن تسعى للتزود بالسلاح النووي، الأمر الذي تؤكد طهران عليه مرارا وتكرارا أنها لم ولن تسعى لحيازة السلاح النووي بناء على فتوى دينية من المرشد الإيراني علي خامنئي.
انسحاب ترامب
وبعد نحو 3 أعوام من توقيع الاتقاق النووي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده منه يوم 8 مايو/أيار 2018، وفرض سلسلة من العقوبات طالت العديد من القطاعات الإيرانية بذريعة أن الاتفاق كان “سيئا ومعيبا في جوهره”، لكنه أعلن استعداده للتفاوض على اتفاق جديد، وهو ما رفضته طهران.
وأعرب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن خيبة أمله من قرار خلفه ترامب، معتبرا الخطوة “خطأ جسيما”، كما أثار الانسحاب الأميركي غضب كل من موسكو وبكين، فضلا عن انتقاد الترويكا الأوروبية للخطوة الأميركية.
عودة التوتر
وبعد عام من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، أعلنت طهران 5 خطوات تراجعت خلالها تدريجيا عن تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، إلى أن أعلنت يوم 5 يناير/كانون الثاني 2020 تعليق جميع تعهداتها فيه، وهددت بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا أحيل ملف برنامجها النووي إلى مجلس الأمن بسبب خطواتها التقليصية.
وساهم الانسحاب الأميركي والخطوات الإيرانية في عودة التوتر من جديد، إلا أن طهران ظلت تؤكد بين الفينة والأخرى عزمها العودة إلى تنفيذ كامل تعهداتها في الاتفاق النووي شريطة وفاء الطرفين الأوروبي والأميركي بتعهداتهما فيه.
وعقب فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، أكد إمكانية عودة بلاده بالتشاور مع حلفائها إلى الاتفاق النووي وتوسيعه ليشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، وهو ما ردت عليه طهران بأنها لن تتفاوض إلا على عودة واشنطن للاتفاق النووي في إطار مجموعة “5+1”.
المصدر : الجزيرة