الحريري الى “تسوية” جديدة… فمن ستشمل؟
الجمهورية – راكيل عتيِّق
لا يُخفي «المستقبليون» سعادتهم بـ»تحرّر» الرئيس سعد الحريري من سجن التسوية الرئاسية. ويعتبرون أنّ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 هي التي حرّرته من القيود التي كَبّل نفسه بها منذ عام 2016. وينتظرون «جردة الحساب» التي يعدّها على هذا الصعيد، والتي سيُعلن عن جزء منها، غداً من «بيت الكلّ». أمّا بعد تبرئة «ذمّته السياسية» في الذكرى الـ15 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، فسيعود الى قواعده ويتّخذ خطّ المعارضة، مُحاولاً عدم سلوك هذا المسار وحيداً.
المعارضة التي سينتهجها الحريري بعد خروجه من السراي الحكومي، ستكون «بنّاءة لا هدّامة مثل معارضة الآخرين»، حسب ما أعلن. ويُدرك رئيس الحكومة السابق وقياديو «التيار الأزرق»، أنّ المعارضة المنفردة لا يُمكن أن تؤتي ثمارها، لا على صعيد التمَكُّن من وقف قرارات السلطة أو فرض أخرى عليها، ولا على صعيد تحقيق إنجازات فعليّة ونوعيّة، وبالتالي استعادة الثقة والتأييد على المستويين الحزبي والشعبي.
وتؤكّد مصادر «المستقبل» أنّ المعارضة لكي تكون فعّالة ومنتجة، يجب الذهاب في اتجاه توحيدها، على مستويين: الكتل النيابية والجهات السياسية، والحراك من خلال التفاهم معه ثمّ تمثيله في مجلس النواب.
ومن المُفترض أن يتّجه الحريري، بعد 14 شباط 2020، الى العمل على تدعيم هذه المعارضة بتفاهمات جديدة، بعد فشل التفاهمات التي أجراها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وتعتبر القيادة السياسية في «التيار» أنّ «المعارضة البنّاءة لا يُمكن أن تنجح من دون توحيدها وتصليب عودها، وهذه العملية تشمل إعادة إرساء قواعد سياسية واضحة مع الكتل المعارضة، وعلى رأسها «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، كذلك مع نواب مستقلين مُعارضين و»مستقلّي 14 آذار»، فضلاً عن التوجّه الى إجراء حوارات وتفاهمات مع قيادات وشخصيات سياسية مُشاركة في الحراك القائم منذ 17 تشرين الأول الماضي، والتي يُمكنها أن تشكّل ثقلاً حقيقياً لبناء معارضة فاعلة.
على مستوى الأفرقاء السياسيين، يعترف «المستقبليون» أنّ من واجب الحريري كرئيس أكبر كتلة معارضة أن يتخطّى المسائل الشخصية و»الحرد السياسي»، لإرساء قواعد مشتركة ومفيدة لجميع الأطراف، وتكوين معارضة مُنظمة ومتينة وفق أسسٍ واضحة، إذ لا يُمكن الحريري أن يُشكّل معارضة فعّالة بمفرده.
أمّا على المستوى الشعبي، فبدأ الحوار بين «المستقبل» وبعض المُشاركين «الفاعلين» في الحراك، منذ انطلاق الانتفاضة، حسب ما تؤكّد مصادر «التيار». وعلى رغم من أنّ الحراك يرفض تمثّله بقيادات أو شخصيات، تؤكّد المصادر «أنّ هناك شخصيات وازنة وذات عقل سياسي وأكاديمي راجح خلف الحراك، وهناك تواصل حواري مع بعضها، إن من باب الاختلاف أو التفاهم، لكن هذه الشخصيات ما زالت ترفض الإعلان عن هذا الحوار.
وبدأت اللقاءات بين الطرفين، على مستوى العلاقات الشخصية، بين حزبيين في «المستقبل» وأشخاص يقفون خلف كثير من تحركات الحراك، تحديداً في بيروت والشمال.
وفي هذا الإطار، يسود «التفكير الواقعي» على مقاربة «التيار» للحراك القائم، فـ«المستقبليون» يدركون أنّ الإنتفاضة تشمل كلّ أركان الطبقة السياسية الحاكمة منذ 30 عاماً الى الآن، والتي شكّل الرئيسان رفيق وسعد الحريري جزءاً أساسياً منها.
وإذ تعترف مصادر «المستقبل» أنّ اتهام «الحريرية السياسية» بإيصال الإقتصاد الى الوضع الراهن ليس مُقتصراً على «التيار الوطني الحر»، بل يشمل جزءاً من المنتفضين، تؤكّد أنّ «التيار موجود ولا يُمكن إلغاؤه، وهو لن يلغي نفسه كرمى لأيّ طرف، فإمّا التعاون معه أو معاداته».
وانطلاقاً من ذلك، يجد المسؤولون في «التيار» أنّ الحوار مع الحراك أساسي وضروري، ولا تحدّه أيّ تابوهات، بل يشمل الهواجس والاتهامات كلّها، ومن ضمنها السياسات الإقتصادية والفساد والصفقات.
ويعتبرون أن «لا بديل للحراك عن الحوار مع كتل نيابية معارضة، فلا يُمكن معالجة أيّ من المشكلات القائمة، إلّا من خلال المؤسسات، وتحديداً التشريعية والقضائية. كذلك لا يُمكن إحداث التغيير إلّا من خلال الأطر الديموقراطية ومجلس النواب، ما يستدعي تكوين قوة نيابية كافية لتحقيق مطالب المنتفضين على كلّ الصعد».
فلكي يَصل الحراك الى نتيجة، حسب مصادر «المستقبل»، عليه «التحالف مع قوى يُمكنها إحداث التغيير من ضمن النظام، وإلّا فالخيار البديل الوحيد للحراك يكمن في انتقاله الى مرحلة الثورة وإنشاء مجلس ثوري يُلغي كلّ ما هو قائم على صعيد الحُكم والنظام»، مشيرة إلى أنّ «جزءاً من مكوّنات الحُكم لديه من يدافع عنه أيضاً»، لافتة الى «تعرّض المحتجّين للاعتداء على أيدي مناصري «حزب الله» وحركة «أمل».
وتعترف المصادر إيّاها «أنّ خريطة الطريق هذه لمستقبل الحريري السياسي، يجب أن يسبقها تقديمه شرحاً لموجبات دخوله في التسوية الرئاسية مع عون وباسيل، على رغم اعتراض قاعدته الشعبية، فمن المُفترض أن يُصارح الناس وأن يبرّر قراراته وخياراته، وكيف ولماذا وبأيّ طريقة وصلنا الى هذه المرحلة».
من هذا المنطلق، يتضمّن الخطاب الذي سيلقيه الحريري غداً مسوّغات التسوية، وأسباب سكوته عن ممارسات شركائه في هذه التسوية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتحديد مسؤولية «التيار الوطني الحر» في إيصال البلد إلى الوضع الراهن. فمن «بيت الوسط» الذي أكّد الحريري أنّ أحداً لن يتمكّن من إغلاقه، سيُطلق مواقف واضحة ويكشف عن بعض خطواته «المستقبلية» العمليّة.
لكن هل سينجح في إقناع اللبنانيين، و«غسل يديه» من جريمة تدمير الدولة، مؤسسات واقتصاداً وشعباً، والتي يتحمّل كلّ من شارك في الحُكم مسؤولية ارتكابها، أكان فاعلاً أو شريكاً أو مُتدخلاً أو مُحرّضاً أو حتّى مُتفرّجاً؟
رأي خاص