المشهد اللبناني بين “حتمية الثورة وضبابية المصير”.
بقلم عبد الرحمن الضاهر
في بداية إنطلاقة الثورة عندما رفع البعض الصوت منادين بضرورة وجود قيادة و تنظيم للثورة خرجت أصوات عديدة تعادي هذه النظرية و ترفضها معللين ذلك بضرورة أن تبقى الثورة وطنية عفوية شاملة و جامعة و لكن سرعان ما تبين أن هذا الأسلوب لم ينفع و أن الشعب كان و سيكون أمام دهاء و مكر سلطة متمرسة و تملك ما تملك من أدوات القوة و القدرة على الالتفاف و المناورة و المجابهة لإخماد الثورة في مهدها أو إيقافها أو تحويرها عن أهدافها ، كل هذا حدث و أخذت السلطة “الحاكمة الفعلية” ما أرادت و شكلت حكومتها الخاصة و أصبح ملعبها أكثر أريحية خالية من المعارضة من قلب السلطة نفسها هي حكومة لون واحد و من فيها من رأسها حتى أخمص حقيبة وزناً فيها ما هم إلا احجار ضامة على رقعة الحكام الحقيقيين.
فبعد الثورة بسبب الوضع المعيشي الضاغط أصبحت الأمور أكثر تعقيداً وبدل أن تسعى الحكومة جاهدةً الإبقاء على الوضع الذي كان سائدا ً قبل الثورة، جاءت الأمور عكسية فانهارت العملة ، و أرتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني و انهارت الطبقة الوسطى في ظل البطالة و ازدياد نسبة الفقر و كل شيء أصبح أسوء و قاتم و اليوم يشتهي الناس العودة إلى الحياة الطبيعية ما قبل ١٧ تشرين على مضض و خاصة فيما خص سعر صرف الدولار …فهل كل هذا مدروس من قبل السلطة لإخضاع الناس؟
ثم فيما خص الثورة فكثرة الحركات الثورية و المتزعمين هنا و هناك حتى ضمن المناطق فلكل منهم كنتون خاص و منطقة خاصة يحرم الاقتراب منها إلا في ظل التبعية و التعداد ، و بعض ألاعمال التي كانت تحدث في خضم الثورة و بعض التصرفات الغير المدروسة أسأت للثورة سلباً فعلى رأي المثل أصبح البعض يقول (لأ من هون مخلصين و لا من هون مخلصين ) .
هذا الشتات الحاصل في الثورة فإنه حكماً يثني الكثير من اللبنانيين من الاقتراب و الدخول في براثنها ربما أو في أغلب الأحيان لغياب الثقة و غموض المصير و الخوف من إلإستغلال لمصلحة من هنا أو هناك.
فلا شك أن المخاض عسير و الخلاص من طبقة متجنرة و مخضرمة في الحكم ليس بالأمر السهل كذلك التنظيم الثوري الواحد الموحد على مستوى لبنان ليس أيضاً بالأمر السهل و لكنه واجب و ضرورة و الأكثر ضرورة هو الاستراتيجية و العمل المدروس لهذا التنظيم و لا بد أن نذكر أنه عبر التاريخ لم تمر ثورة بدون عنف و قوة و خسائر كبيرة في الأرواح و الممتلكات و لكن يبدو أن الحالة اللبنانية أصعب من أي حالة حول العالم و خاصة مع تركيبته الطائفية و المذهبية المعقدة فلقد احتاج لبنان أن يخوض حرباً طائفية لمدة ١٥ عاماً بسبب إحتلال التوازن في الحكم التوافقي بين الطوائف ، نعم احتاج لبنان خمسة عشر عاماً للينتهي به المطاف الي إتفاق يرضي هذه التعددية و يعبر بها إلى الجمهورية الثانية آنذاك ، و كان يومها الخلاف طائفي على آلية الحكم و تقاسم النفوذ ، فكيف إذا كانت المشكلة بين شعب ثائر و من حقه الثورة و ليس متمرد على أيديولوجية أو تنظيم بل ثائر بسبب الجوع و الفقر و الفساد ، إذا فكم سنلبث و نحن على هذه الحالة فإما أن تنتهي الثورة و إما أن يسقط حكم الفاسدون كأنهما خيارين لا ثالث لهما.
أخيراً فلا شك أن هذا الشعب المتعب من الأزمات المتلاحقة يبقى متمسكاً بوطنيته مهما يكن و يخاف أن تتكرر مشهدية الحرب وويلاتها و الأكيد أن اللبنانيين طواقون للسلم و الأمن السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي فهل نحتاج الي عقد اجتماعي جديد و هل يقبل الشعب بمؤتمر توافقي جديد أم أننا و نحن على أبواب المأوية الأولى للبنان الكبير أمام تغيير جذري يحيك خيوطه اللاعبون الكبار للعبور نحو الجمهورية الثالثة بما يتناسب و النظريات السياسية الكبرى مثل الشرق الأوسط الجديد و صفقة القرن و غيرها ؟