واقع اللاجئين السوريّين في البقاع اللُّبنانيّ في ظلِّ الانكماش الاقتصاديّ… آمالٌ وتحدّيات..
تحقيق: إسلام جحا _ موقع لبنان اليوم – البقاع لم يكن يتوقَّع اللَّاجئون السُّوريُّون أن تتجاوز الأزمة في سورية العشر سنوات. ولم يتوقّع هؤلاء الَّذين رحلوا بثيابهم أن يهربوا من حربٍ يقودها جيش النّظام عليهم بقنابلَ مرئيَّة إلى حربٍ اقتصاديَّةٍ أخطر تقاد عليهم بأيادِ خفيَّة تسلبهم أحيانًا رغيف الخبز وحليب الأطفال.. فلجوء ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوريٍّ مسجَّلين عند مفوضيَّة الأمم المتَّحدة لشؤون اللّاجئين جعلهم يتجمّعون في مناطق أكثر من غيرها كالبقاع اللُّبنانيِّ، وتحديدًا الأوسط منه حيث السُّهول الزِّراعيَّة وفي مناطق السِّلسلة الشَّرقيَّة في جرود عرسال. هذا اللّجوء اقترنَ بالحوادث الأمنيَّة والتَّضييقات الرَّسميَّة والشَّعبيَّة أحيانًا، زاد الطينة بلَّة الوضع الاقتصاديّ السيِّء الذي يعيشه لبنان المتراف مع ثورةٍ شعبيَّةٍ ووباء كورونا العالمي والذي أرخى بظلاله على اللَّاجئين السّوريّين كما الشَّعب اللُّبناني على حدٍّ سواء. وأمام هذا الواقع وغياب الإحصاءات الدّقيقة، كيف يعيش اللاجئون السُّوريُّون في البقاع، وهل من مساعدات في ظلّ الأزمة المعيشيَّة في لبنان، وكيف يتعايش الشعبان بعد عقدٍ على الأزمة المشتركة؟.
هذا إلى جانب أنّ بعض السُّوريِّين الذين يدخلون ويخرجون كمزارعين مسجَّلة أسماؤهم على حواجز الجيش اللُّبنانيِّ، ويقيمون في سورية ويعودون لتلقي المساعدات الشهريَّة من المنظمات الأمميَّة. المساعدات المقدَّمة للَّاجئين، هل تستمرُّ مع تردِّي الأوضاع وانكماش الاقتصاد العالميِّ؟
أمَّا عمليَّة خروج ودخول اللَّاجئين السُّوريِّين من لبنان وإليها فتشوبه بعض العقبات على الرّغم من محاولات تيسيرها من قبل الجهات اللُّبنانيَّة. وفي عرسال يختلف الوضع نوعًا ما مقارنة بعبور الحدود من نقطة المصنع لأنَّ ثمَّة الكثير من الأراضي والدونمات التي تتقاطع حدودها بين الجانبين اللُّبنانيِّ والسُّوري ممّا يسهِّل عبور العائلات عبر حواجز الجيش اللُّبنانيِّ.
وتنشط، حسب البقاعيّين، حركة عبور المزارعين من الجانبين لقطاف مواسمهم الزِّراعيَّة كالحبوب والخضروات والأشجار المثمرة كالكرز والمشمش وغيرها طوال العام، خصوصًا في قرى القلمون وفليطة والمعرَّة وجريجير المحاذية للحدود الشرفيَّة مع لبنان. هذا، ويترافق ذلك مع حركة تهريبٍ نشطةٍ للمحروقات والنحاس والحديد لوحظ تراجعها في الآونة الأخيرة إلى سورية. اللَّاجئون في ظلّ الدَّمج التَّعليميّ إنَّ الدَّمج الاجتماعيَّ وحالات المصاهرة بين اللاجئين السُّوريِّين واللبنانيّين، وتحديدًا في البقاع المحاذي لسورية والذي يجمع صلة القرابة وتبادل الزيارات اليوميَّة منذ ما قبل الأزمة السُّوريَّة، يطال هذا الدّمج الأطفال السُّوريِّين في البقاع، فثمة عدد لا بأس به يتلقى تعليمه في مدارس مع الأطفال اللُّبنانيِّين، ومعظم هؤلاء يسكنون في تجمُّعات سكنيَّة وليس في مخيمات.
أمَّا الأطفال الذين يعيشون في مخيَّمات فقد منعت الدَّولة اللُّبنانيَّة إنشاء المدارس داخل المخيَّمتن، ممّا جعل المنظمات الأمميَّة تدأب على تعليمهم ضمن دوام مسائي وفق المنهج اللُّبنانيِّ المعتمد.
وتقوم هذه المنظّمات بتسديد رسوم التَّعليم والقرطاسيَّة وبدلات النَّقل للأطفال السُّوريين وتقلهم من المخيَّم إلى المدرسة ذهابًا وإيابًا. وقد ماشى قرار المنظّمات التعليم عن بُعد للتكيُّف مع جائحة كورونا مع ما يشوب العمليَّة التعليميَّة من تحدّيات دراسة أكثر من طفلٍ على جهازٍ إلكترونيّ واحد.
اللاجئون في ظلِّ كورونا
ويلاحظ الناشطون الذين تحدّثنا معهم أنَّ هذا الحال لا يتوقف على اللاجئين إنَّما يتجاوزه إلى المجتمع المحيط والمضيف، فلبنان ومنذ أواخر العام 2020 شهد ارتفاعًا في عدد المصابين بكورونا حتى وصل عدد مصابي كورونا اليوميّا إلى 6 آلاف حالةٍ في شباط الماضي، مع متوسِّط 3 آلاف حالة يومية في نيسان الجاري.
يقول رئيس الجمعيَّة الطبيَّة في عرسال علي الحجيري: “انتشر كورونا بشكل كبيرٍ بين أهالي عرسال والسُّوريِّين ولم يفرق بينهما. لا يزال الوعي العام منخفض بين العراسلة وللَّاجئين السُّوريِّين إذ يعتبرون الفيروس القاتل زكامًأ عاديًا. ولدى سؤالنا عن أعداد الإصابات والوفيات، قال الحجيري: “الأعداد كبيرة، لكنَّها تبقى نسبتها قليلة بالمقارنة مع عدد العراسلة البالغ 40 ألف عرسالي و63 ألف لاجئ في عرسال، والوفيات بسبب كورونا لم تتجاوز 15 شخصًا. أمَّا عن أماكن دفن وفيات كورونا، قال: “ظلَّ اللَّاجئون والعراسلة يتقاسمون جبَّانة عرسال منذ العام 2011 إلى 2018، وبات يدفن شخصان في كلِّ قبر، إلى تمّ شراء مقبرةٍ جديدة من قبل البلديَّة وبعض المنظّمات خصِّصت للَّاجئين السُّوريين ليُصار بعد امتلاء جبانة عرسال إلى دفن موتى العراسلة في جبّانة اللاجئين”. المجتمع البقاعي المضيف: تحدِّياتٌ وآمال ويعمل اللَّاجئون السُّوريون في البقاع كلَّ الأعمال المتعارف عليها في المجتمع البقاعي كالزَّراعة والحِرَف على أنواعها، ويمارس بعضهم المهن الحُرَّة، وتحديدًا في القطاع الطبيِّ منها في مستوصفات متخصِّصة. أمَّا في عرسال وبرالياس البقاعيّتين اللتين يزيد فيهما اللجوء السوري بين بلدات ومدن البقاع فيعمل اللَّاجئون في الحِرَف التي يعمل بها العراسلة وأهل البقاع الأوسط كالنجارة والحدادة ومناشر الحجر. وعلى صعيد المحال التجاريَّة فالعدد الأكبر من المحال لهم، والمحال الصِّناعيَّة كالمخارط والميكانيك يستحوذ عليها هؤلاء أيضًا أمَّا لناحية التّعاطي بين العراسلة واللَّاجئين فهي طبيعيَّة وودِّيَّة، خصوصًا ضمن العائلات التي نشأت بينها وبين اللَّاجئين السُّوريِّين روابط المصاهرة والقرابة حتى منذ ما قبل الأحداث في سورية، إذ تنتشر زيجات اللُّبنانيِّين من النِّساء السُّوريَّات، حتى إنَّ بعض العائلات تسكن مجانًا عند أقرباء لها أو عراسلة قدَّموا منازلهم للَّاجئين، غير أنَّ هذه العائلات تظلُّ قليلةً مقارنةً مع آلاف العائلات التي تعيش في التَّجمُّعات الخيَميَّة.
ويرى بعضهم في البقاع أنَّ وجود مثل هذا العدد الكبير من اللَّاجئين على أراضي البلد الذي يعاني اليوم أزمةً سياسيَّةً واقتصاديَّةً لم يشهدها لبنان الحديث جعل الأمم المتَّحدة تصنِّف نصف الشَّعب اللُّبنانيِّ تحت خطّ الفقر، وجعل التَّحديَّات مضاعفةً لجهة الحفاظ على توازنه الديموغرافي الدقيق واستعادة نموُّه الاقتصادي في ظلِّ انهيار اللِّيرة وارتفاع الدّولار إلى حدٍّ غير مسبوقٍ مترافقٍ مع شُحِّ المواد الغذائيّة الأساسيَّة وانقطاع بعضها، واحتكار السِّلع ورفع الأسعار وتهريب بعض السِّلع الأخرى إلى الدَّاخل السُّوريِّ، يرى أنَّ هذا الوجود بات عبئًا على المجتمع المحلي.
هذا إلى جانب الضغط على البنى التَّحتيَّة كغلاء المياه والكهرباء في ظل تمديد بعض اللَّاجئين لخطوط كهرباء غير شرعيَّة مع تجاوز عدد االلاجئين السُّوريِّين في عرسال وحدها 63 ألف لاجئ.
وكذلك الأامر بالنسبة لإقامة بعض المخيمات السّوريَّة في سهول البقاع الغربي على ضفاف الأنهار وجرّ مياه الصّرف إليها، ممّا يعود عليهم أنفسهم بكثرة الامراض الرئويَّة كالربو وضيق التّنفّس والامراض الجلديَّة نتيجة المياه النتنة وتلوث المياه وتكاثر الحشرات والقوارض خصوصً في فصل الصَّيف.
وتربط فئة أخرى أيضًا بين الحوادث الأمنيَّة واللَّاجئين السُّوريِّين، فمثلا، إنَّ كثافة الحواجز الأمنية في عرسال مردّها إلى حوادث آب 2014 التي وضعت البلدة تحت المجهر، وما زاد الأمر تعقيدًا هو تفشي المخدرات التي تباع بألوف زهيدة لإغواء الشبان في المنطقة.
وتؤثر هذه الأوضاع وما سبقها بشكلٍ متزايدٍ على مساحة كلا الحماية التي تتخذها السُّلطات في لبنان وأجهزتها، وعلى الدَّعوات والإجراءات الموجَّهة للاجئين نحو العودة السَّريعة إلى سورية.
وعلى المستوى الشَّعبيِّ أيضًا، يربط الشارع اللبناني والبقاعيُّ بين ما آلت إليه الأوضاع في البلاد وعدم قدرتها على استقبال أعداد اللَّاجئين الكبيرة هذه، والتي قلّلت بدورها من فرص العمل، تارةً بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، وطورًا بسبب التَّوجُّه اللُّنانيِّ العامِّ للمواطنين نحو الاستهلاك من اللَّاجئي السُّوري لرخص سلعه وخدماته المقدَّمة مقارنةً بالسُّوق اللبنانيّ، وتحديدًا بعد ثورة 17 من تشرين الثاني 2019 وارتفاع الدولار عشرة أضعاف ما كان عليه ليصل إلى 15 ألف ليرة.
في هذه البيئة، يواجه اللاجئون مخاطر متزايدة في مجال الحماية، مع عدم وجود إقامة قانونية من شأنها أن تؤدي إلى خطر الاعتقال والتَّرحيل والطَّرد من السكن والعنف القائم على نوع الجنس وإساءة معاملة الأطفال، خصوصًا في ظلّ اعتماد الكثير من العائلات السُّوريَّة على المساعدات الأساسية.
وكحلٍّ لكلِّ التَّحديات الآنف ذكرها، وسِّعت خطة الاستجابة للبنان في الأعوام المنصرمة 2017-2020 إلى توفير إطار لاستجابة متكاملة للتنمية الإنسانية تمَّ فيها تلبية احتياجات اللاجئين – إلى أقصى حد ممكن – بناءً على القوانين والسياسات الوطنية – من خلال تعزيز قدرة المؤسسات والمنظمات الوطنية لتقديم الخدمات.
ويكمن الهدف وراء ذلك في التخفيف من أثر وجود اللاجئين من خلال دعم المجتمعات المضيفة واللبنانيين من الفئات الضَّعيفة، ففي عام 2020، كان من أولويات تركيز الخطة محاولة ضمان حصول اللاجئين على الحماية والإقامة القانونية المؤقتة وتوثيق المواليد والأحوال المدنية، وحمايتهم من الإعادة القسرية.الحفاظ على كرامة ورفاه اللاجئين في لبنان، مع إعطاء الأولوية للاجئين من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنَّ هذه الخطط لم تثبت فعاليتها ونجاعتها حتى الآن.
5 بالمئة مستعدُّون للعودة إلى سورية من مجمل 63 بالمئة أبدوا رغبتهم في ئلك فبحسب تقريرٍ نشرته صحيفة “إيكونومست” أشار إلى أنَّ الضُّغوط على اللَّاجئين السُّوريِّين في لبنان لن تجبرهم على العودة إلى سورية، وذلك بسبب الأوضاع الَّتي تعيشها االبلاد منذ العام 2011 والابتزاز الحاصل على الحدود، حيث إنَّ الجهاتِ السُّوريَّة فرضت على كلِّ سوريٍّ يدخل سورية تحويل مبلغ 100 دولار إلى العملة السُّوريَّة التي شهدت هبوطًا كبيرًا، وذلك على الرغم من فساوة الأوضاع االمعيشيَّة في لبنان خلال العام 2020، إذ يرزح حوالى 884 ألف لاجئٍ تحت نير الظروفٍ السَّيِّئةٍ. فوفق تقديرٍ للأمم المتحَّدة فإنَّ 89% منه اللاجئين في لبنان يعيشون في ففقر مدقع (مقارنة بنسبة 55 في المئة خلال عام 2019)، ما يعني أنَّ دخلهم يقلُّ عن 309 آلاف ليرة لبنانيَّة، أي ما يعادل 30$ في الشَّهر الواحد. ورغم كلِّ هذه المصاعب عاد 55 ألف لاجئٍ سوريٍّ فقط منذ أن بلغ عددهم ذروته في العام 2014 وبالنَّظر إلى متوسِّط سرعة عودة اللَّاجئين إلى بلادهم خلال السَّنوات الخمس الماضية، يمكن القول بأن خروج آخر لاجئ سوريٍّ من لبنان لن يتمَّ قبل عام 2041. هذه التَّقديرات تدعمها ورقة العمل التي نشرها باحثون من من مخبر سياسة الهجرة لدى جامعة ستانفورد وجامعة “ETH” السويسريَّة في زيوريخ في تشرين الثاني 2020، التي أشارت إلى أن 63 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان يتمنَّون العودة إلى وطنهم يومًا ما، وتوقَّعوا أنَّ 5 في المئة فقط منهم سيعودون للوطن خلال العام 2021، ما يعكس هوَّةً سيقوم به اللاجئون وما يتمنون حصوله.
بين حربٍ سوريَّةٍ هجّرت الشعب السُّوري وأزمةٍ اقتصاديَّةٍ ومعيشيَّةٍ وصحيَّة خانقة، ترسم خصوصيَّة لبنان الطائفيّة والأمنيَّة والمناطقيَّة معالم التَّعامل مع اللاجئين السّوريّين الّذين يعلقون بين مطرقة العودة إلى سورية تحت رحمة النّظام السوري الذي لا يزال يمسك بالدَّولة السُّوريَّة وسندان البقاء في الأزمة المعيشيَّة في لبنان.. وبمقابل كلِّ ذلك لبنانيُّون أحسن كثيرٌ منهم استضافة الجار حتّى بات يعاني مثله إن لم يكن أكثر.. في زمن تقلّصت فيه المساعدات وبات اللوم يلقى على كاهل المنظّمات الأمميَّة علها تسعف ما تبقى منهم قابلًا للحياة..