استثمار أم احتكار؟ تنافس سعودي إماراتي للسيطرة على القطاع الصحي بمصر

نشرت وسائل إعلام أجنبية ومصرية مؤخرا أخبارا عن سعي صندوق الاستثمارات السعودي وشركة الاستثمار الإماراتية القابضة، للاستحواذ على شركة “آمون للأدوية” المصرية التي بيعت لشركة “بوش هيلث كوز” العالمية عام 2015.

وهو ما دفع مراقبين وعاملين في قطاع الصحة للتساؤل عن أهداف هذا السعي الحثيث للاستحواذ، خاصة أنه منذ عام 2014 سيطرت شركات سعودية وإماراتية على عدد كبير من المستشفيات ومعامل التحاليل الكبرى بمصر.

وظهرت شركة آمون للأدوية عام 1991، ولها في السوق المصري ما يقارب 180 صنفا دوائيا، وهي تصدر منتجاتها -بحسب موقع الشركة الإلكتروني- إلى 28 دولة أفريقية وآسيوية وأوروبية، وتخطت مبيعاتها العام الماضي 3.7 مليارات جنيه (الدولار نحو 16 جنيها).

توزيع الحصص

السعي السعودي الإماراتي للاستحواذ على شركة الدواء المصرية، يأتي استمرارا للاستثمارات الضخمة التي ضختها الدولتان في مصر خاصة في القطاع الصحي، وأثارت تساؤلات عدة حول حقيقتها.

وتمتلك السعودية معامل “كايرو لاب” للتحاليل الطبية الواسعة الانتشار بطول محافظات مصر، ومراكز “تكنو سكان” للأشعة التي تمتلك بدورها 24 فرعا في محافظات مختلفة.

وتستحوذ على 9 مستشفيات كبرى مثل الإسكندرية الدولي، وابن سينا التخصصي، والأمل، فضلا عن مستشفى العروبة، وجميعها في مناطق راقية، كما تمتلك 15% من أسهم مستشفى العيون الدولي.

بينما تتفوق الإمارات على السعودية في عدد المستشفيات الكبرى التي تمتلكها في مصر، حيث تصل إلى 15 مستشفى، مثل: النيل بدراوي، وكليوباترا، والقاهرة التخصصي.

وسيطرت شركة “أبراج كابيتال” الإماراتية على سلسلتين من أكبر سلاسل معامل التحاليل، وهما “البرج” التي تضم 926 فرعا و55 معملا بيولوجيا، ومعامل “المختبر” التي تضم 826 فرعا في كافة المدن والمراكز المصرية.

استثمار أم احتكار؟

ويفسّر الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله تسابق الإمارات والسعودية للاستثمار في مصر بشكل عام، بالرغبة في زيادة نفوذهما الاقتصادي والسياسي، واصفا هذه الاستثمارات بأنها جزء من الفواتير التي يدفعها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن طيب خاطر، نتيجة مساندتهما له سياسيا وماليا.

وتعتبر السعودية والإمارات الداعم الرئيسي لنظام السيسي منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013 الذي قاده وأطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي الذي توفي العام الماضي في السجن.

لكن ذكر الله فرّق -في تصريحات سابقة للجزيرة نت- بين توجهات الدولتين فيما يتعلق بالاستثمار، فالسعودية تهدف غالبا إلى الربحية، أما الإمارات فترغب في السيطرة على بعض القطاعات إلى حد كبير فيما يشبه العملية الاحتكارية، كتوجهها نحو السيطرة على القطاع الصحي من خلال شراء سلاسل معامل التحاليل والمستشفيات والصيدليات، على حد قوله.

ويرى فخري محمد -وهو مسؤول الإنتاج بإحدى شركات الأدوية المصرية التابعة لقطاع الأعمال الحكومي- أن الإمارات والسعودية غير قادرتين -حال شراء شركة آمون- على إضافة أي شيء لصناعة الأدوية التي بدأت في مصر منذ عام 1938، مضيفا “هم فقط ينقلون ملكية الشركة”.

وأضاف للجزيرة نت أن الاستفادة من ضخ هذه الأموال ستكون أكبر بكثير، وتضيف للقطاع والاقتصاد كله، إذا قامت تلك الشركات القادمة إلى السوق المصري بإنشاء مصانع جديدة للأدوية؛ لخلق جو من المنافسة التي ستصب في النهاية في صالح المستهلك والصناعة والاقتصاد عموما، لكن ما يحدث الآن هو سيطرة بغرض الاحتكار.

مخاطر التطبيع والخصخصة

أهم ما نخشاه من هذه السيطرة الخليجية على قطاع مهم مثل الدواء، هو تغيير هوية المصانع المصرية، بحيث لا تنحصر في الدول الخليجية فقط، حسبما قال الحسيني محمود مدير التسويق في إحدى شركات الدواء الخاصة.

وأضاف محمود للجزيرة نت أنه في ظل هذا التسارع الخليجي من الإمارات والبحرين نحو التطبيع مع إسرائيل، واقتراب السعودية منه أيضا، لا نستبعد أبدا التنازل عن أسهم استحواذ الشركات التابعة للبلدين إلى شركات أو مستثمرين إسرائيليين، وتقدَّم شركاتنا قربانا للصداقة الملتهبة مع الصهاينة مؤخرا، على حد قوله.

عضو لجنة الصحة في مجلس النواب المصري إيناس عبد الحليم -وهي أيضا طبيبة وأكاديمية- شاركت محمود هذه المخاوف، معربة عنها بالقول إن “من المهم ألا يدخل في أي صفقات استثمارات أخرى، أطراف تثير قلق المصريين”.

لكن الطبيبة النائبة حذرت -في تصريحات صحفية- من خطر آخر يتمثل في الاستحواذ على بعض الشركات ثم إغلاقها، مثلما جرى مع بعض شركات الحكومة وقطاع الأعمال بعد الخصخصة، فيبيع المستثمر الأرض أو يقوم ببنائها رغبة في الربح السريع.

إغراء المال وزيادة الأسعار

أيمن عابدين أحد المساهمين في سلسلة صيدليات، أكد أن الشركات المصرية المنتجة للأدوية لن تقوى على الوقوف في وجه هذا الهجوم من رأس المال الخليجي الشره للسيطرة على قطاع الأدوية.

ويخشى عابدين -حسبما صرَّح للجزيرة نت- من تهاوي قلاع صناعة الأدوية واحدة تلو الأخرى في يد المال الخليجي، وسعيه لإغراء كبرى الشركات التي تعاني من قفزات كبيرة في تكلفة الصناعة، سواء من ناحية المواد خام أو المحروقات، فضلا عن الضرائب والرسوم المتعددة التي فرضت في الفترة الأخيرة.

وأضاف أن المستثمرين الأجانب سيضغطون كثيرا لتحرير سعر الدواء وإلغاء التسعيرة الجبرية التي ما زالت تطبق، وهو ما سيمثل كارثة على المرضى، حيث ستحدث قفزات هائلة في أسعار الأدوية المرتفعة بالأساس.

وقدّر المركز المصري للدراسات الاقتصادية حجم سوق الدواء في مصر بنحو 400 مليار جنيه، وقد وصل حجم الاستثمارات عام 2018-2019 إلى نحو 80 مليار جنيه.

وأكد المركز أن هناك 350 منشأة لمستحضرات الدواء تستوعب نحو 85 ألف عامل، لا تمتلك الحكومة منها سوى 3%، والباقي (97%) مملوك للقطاع الخاص.

واستحوذت شركات القطاع الخاص الأجنبي على 69% من سوق الدواء في مصر، بينما بلغت حصة الشركات المحلية 31% من الحصة السوقية للدواء عام 2018، حسب إحصائية المركز.

المصدر : الجزيرة

Libanaujourdui

مجانى
عرض