بعد 18 عاما من الاعتقال.. أسير فلسطيني يحجر نفسه بعيدا عن الأهل

لا باقة ورد ولا حلوى تنتثر يمينا وشِمالا ولا حفل استقبال كما هي عادة الفلسطينيين فرحا بالإفراج عن أسراهم من سجون الاحتلال، بل لقاء عن بُعد وفحص لفيروس كورونا ونقل بسيارة الإسعاف لمسقط رأس الأسير ثم التزام الحجر الصحي لأربعة عشر يوما.

هكذا اختار الأسير المحرر طارق دولة (47 عاما) من مدينة نابلس طريقة الإفراج عنه وخطط لها قبل أيام من داخل غرفة اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي تفاديا لفيروس كورونا، حيث رأى أن أسبوعين آخرين في البعد عن الأهل لا ينتقصان من حريته.

وأمام ظهور جائحة كورونا للعلن اختفت مظاهر كثيرة بين الفلسطينيين منها الاحتفاء بتحرر الأسرى، وباتت التهاني تقتصر على الاتصال الهاتفي وعبر مواقع التواصل، ولقيت مبادرات الأسرى بحجر أنفسهم ترحيبا شعبيا ورسميا.

وبإجراءات مشددة استقبل جهاز الطب الوقائي الأسير دولة وأسرى آخرين بعد ظهر أمس الثلاثاء عند حاجز الظاهرية قرب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وأجري له فحص كورونا وفق الإجراءات المتبعة ومن ثم نقل عبر سيارة الإسعاف لمسقط رأسه بمدينة نابلس.



مبادرة ذاتية
وقبل أيام من الإفراج عنه، أعلن الأسير دولة مبادرته بحجر نفسه بعيدا عن ذويه والاقتصار على مظاهر استقبال بسيطة لدرء الأذى عن المواطنين، ويقول إنه قضى قرابة نصف عمره معتقلا حماية لشعبه والآن يعزل نفسه للهدف ذاته “فالنضال ليس بالبندقية فقط”.

وحيث استقبل بمقر محافظة نابلس ومن عدد محدود من الشخصيات والمواطنين، لم يبرح الأسير دولة سيارة الإسعاف ومن بعيد رد على والده السلام وتحدث للإعلاميين قبل أن ينطلق لقبر والدته التي فجع بوفاتها في سجنه ويضع إكليلا من الزهور ثم يغادر لمكان عزله.

ويقول -وهو يرتدي كمامته ويعتمر فوق كتفيه الكوفية الفلسطينية- إن فرحته بالحرية كبيرة لكن الحرية الأكبر ستكون بتعافي بلده ووطنه من “وباء كورونا ووباء الاحتلال”.

وحمل الأسير دولة في جعبته رسالة الأسرى وقال للجزيرة نت، إنه ومنذ إعلان الوباء والاستهتار سيد الموقف في تعامل إدارة السجون مع الأسرى، حيث يرفضون إدخال وسائل الوقاية من المعقمات والقفازات والكمامات لهم.



الأسرى يصنعون كماماتهم
وقال إن الأسرى باتوا يصنعون كمامتهم بأيديهم، كما أن هناك آخرين -ولا سيما الذين يُفرج عنهم- يحصلون عليها بطريقة أو بأخرى من عيادة السجن، وأوضح أنه وحتى وقت قصير لم يكن السجانون يحتاطون عند الدخول لأقسام الأسرى وإجراء التعداد أو التفتيش، ويدخرون لأنفسهم كل وسائل الحماية.

وأطلق دولة رسالة للمؤسسات الحقوقية التي تعنى بالأسرى ومؤسسات الصحة العالمية ومن أسماها بالجهات المؤثرة لإنقاذ الأسرى وخاصة المرضى منهم وكبار السن، وقال إنه لم يعد هناك أي مبرر لعدم الإفراج عنهم “فإما أن تعالجهم إسرائيل أو تطلق سراحهم”.

وردا على استخفاف الاحتلال بالتعامل مع المعتقلين في ظل كورونا، بات الأسرى يرفضون الذهاب لعيادة السجن لتلقي العلاج، حيث لا يراعي الاحتلال إجراءات السلامة العامة من الفيروس كحال الأسير صالح أبو مُخ المسجون منذ 35 عاما والذي يُراجع عيادة السجن ثلاث مرات يوميا لأخذ حقنة الأنسولين.

ويقبع قرابة خمسة آلاف أسير بسجون الاحتلال بينهم 41 أسيرة و180 طفلا و430 معتقلا إداريا، فضلا عن سبعمئة أسير مريض بينهم 16 أسيرا يقبعون بعيادة سجن الرملة أو “المسلخ” كما يسميه الأسرى.

ولا يكتفي الاحتلال برفض تقديم وسائل الوقاية من فيروس كورونا للأسرى وإنما يتعنت في الإفراج عنهم وخاصة المرضى منهم والأطفال وكبار السن والذين شارفت أحكامهم على الانتهاء ويقدرون بنحو 1500 أسير حسب قدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني، ويقول إن الإفراج عنهم يُخفف من اكتظاظ السجون وبالتالي يمنع تفشي العدوى بين الأسرى.

إجراءات قمعية
ويضيف فارس للجزيرة نت أن الاحتلال رد على مطالبهم بإطلاق أولئك الأسرى باعتقال 357 فلسطينيا في مارس/آذار الماضي بينهم 48 طفلا، وفرض إجراءات “تنكيلية” بحق الأسرى منها سحب “الكانتينا” (دكان السجن) المنظفات والمعقمات الضرورية.

وكل ما فعلته إدارة السجون أنها أوقفت جميع زيارات الأهل والمحامين للأسرى وأرجأت كافة محاكمهم، وبعد ضغوط حجرت أسرى في سجن مجدو وآخرين في سجن عوفر العسكري قرب رام الله بعد أن تبين إصابة أسير بفيروس كورونا عقب الإفراج عنه من هناك.

وقال إن إدارة السجن عزلت تسعة أسرى فقط من المخالطين للأسير المصاب واقتصر الفحص على أخذ درجة حرارتهم ودون سحب عينات منهم.

وطالب فارس بضرورة فحص كافة الأسرى في جميع الأقسام بسجن عوفر، وألا يُغادر السجانون مكان عملهم طوال أسبوعين، ودعا الأسرى لخفض مستوى الاحتكاك مع السجّانين، كإجراء التعداد على كل غرفة عبر الكاميرات، وأن يصبح فحص النوافذ من الخارج دون دخول السجّانين إلى الغرف.

وكأن التاريخ يُعيد نفسه بالحدث والتوقيت، فخلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس في أبريل/نيسان عام 2002 اعتقل طارق دولة ولم يعرف أحد باعتقاله حتى اكتشف اسمه في قوائم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد مدة.

وهو السيناريو الصامت ذاته الذي يتكرر الآن بالإفراج عنه مع جائحة كورونا، حيث خلت مظاهر الاحتفال إلا من يافطة باسمه وبعض صور للأسير علقت عند مدخل منزله في الجبل الشمالي بمدينته نابلس.

المصدر : الجزيرة

Libanaujourdui

مجانى
عرض