حملات عالمية لكسر الصمت.. لماذا لا تبلّغ العربيات عن العنف والتحرش الرقمي؟

اقتحمت السيدة المغربية لبنى نجيب (في الأربعينيات من عمرها) عالما ظل لوقت قريب حكرا على الرجال، وكانت المغربية الوحيدة التي تترأس جمعية للحرس الخاص، وتناضل في ظل نقابة مهنية، وتطرق الأبواب للدفاع عن فريقها، إلا أن نجاح لبنى سيضايق بعض منافسيها لينخرطوا في حملة تشهير بها، تهدف للمس بسمعتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، واستعملوا فيها السب والشتم ونشر الصور الخاصة.

وبعد معاناة طويلة -تعبت خلالها نفسيتها وأوقفت نشاطها لفترة، حيث تضرر عملها وتدهورت صحتها بحسب شهادتها للجزيرة نت- طرقت لبنى باب جمعية متخصصة في الدفاع عن حقوق النساء والترافع المدني لصالحهن.

تلقت لبنى، دعما نفسيا ومساعدة على فهم القانون الذي يجرّم العنف الذي مورس عليها، لتستجمع قواها وتتقدم بشكاية لدى القضاء، وتؤكد -في حديث للجزيرة نت- أن ما تعرضت وتتعرض له هو عنف أكثر ضررا من أشكال العنف الأخرى، وتطالب بضرورة تفعيل قوانين تجريم العنف الرقمي وردع المعتدين، معتبرة أن استباحة خصوصية النساء في الفضاءات الرقمية مرفوضة.

ما العنف الرقمي؟

يُعرّف العنف الرقمي أو “المضايقات الإلكترونية” ضد النساء بأنها من أشكال العنف الأخرى التي يمكن أن تكون مؤلمة بنفس قدر العنف الجسدي في بعض الأحيان أو أكثر، وهو نوع ظهر مع تطور وسائط التواصل الاجتماعي، وينضاف إلى أساليب التعنيف على أساس النوع، ويأتي على شكل إهانة أو إساءة أو تهديد أو ابتزاز مباشر، أو عبر استخدام صور أو مقاطع فيديو ضد رغبة صاحبتها.

تقول رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو -في حديث للجزيرة نت- إن التطور التكنولوجي وفضاء الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت تُستعمل بشكل سلبي، وجعل منها البعض فضاءً للتحرش والتنمر والعنف عن طريق التشهير وتشويه السمعة والابتزاز المالي أو الجنسي.

خطورة حد الانتحار

ترى بشرى أن العنف الرقمي يهدد النساء بشكل مضاعف، معتبرة أنه عنف ممتد في الزمن وينتشر أكثر، وأحيانا يمسّ دائرة الثقة والمحيط المفروض فيه الحماية، وله مضاعفات نفسية خطيرة.

وتوضّح أن الخطورة تشمل الطرد والتعنيف المضاعف وفقدان الشغل في بعض الحالات، وتصل حدّ انتحار الضحية أحيانا، مؤكدة أن الجمعية التي تترأسها سجلت خلال هذه السنة حالة انتحار مؤكدة، ثبت أن سببها العنف الرقمي.

وخلص بحث كانت قد أجرته منظمة “مرا” (هيئة مدنية مغربية) إلى أن 80% من النساء المشاركات في البحث تعرضن لمضايقات عن طريق التعليقات، وأكثر من 20% واجهن نشر الأكاذيب المسيئة للسمعة، كما أن 10% عانين من مشاركة أو نشر صور ومقاطع فيديو جنسية عبر حسابات مجهولة.

وبحسب آخر تقرير رسمي أصدرته الحكومة المغربية خلال 2019، فإن معدل انتشار ظاهرة العنف ضد النساء يصل إلى 54.4%.

تمسك بالحق ورفض للتضييق

العديد من المنظمات الدولية والمحلية ترفع أصواتها ضد العنف على أساس النوع، وتدعو لضرورة تجريم العنف بما فيه التحرش الرقمي والتبليغ عنه، عبر حملات تحفيزية تدعو النساء للبوح ولتقديم شكاوى للسلطات، ومنها هيئات حقوقية وإعلامية، حيث أطلقت مؤسسات إعلامية استبانات بشأن التحرش الرقمي بالصحافيات، وورشات عن كيفية مواجهة العنف الرقمي والتبليغ عنه والحديث بشأنه.

وتنطلق عبر العالم -بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يوافق اليوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني- حملة “16 يوما” الأممية لمناهضة العنف المبني على النوع، وقد اختارت بعض الهيئات والدول أن تركز خلالها على العنف الرقمي.

وبشعار “على الإنترنت ما مفكاش، وعلى العنف ما سكتاش” (لن أتنازل عن حقي في الإنترنت ولن أسكت عن العنف)، أطلقت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بالمغرب حملة تلقي الضوء على ظاهرة العنف الرقمي، رافضة -في بلاغ صحفي أصدرته بالمناسبة- الربط بين إنهاء مظاهر العنف والتقليل من إمكانيات ولوج النساء إلى الفضاء الرقمي، واعتبرته مجرد محاولة يائسة لابتزاز النساء وتحميلهن مسؤولية عنف هن ضحاياه، لدفعهن إلى مزيد من العزلة والصمت.

لماذا لا تبلغ العربيات عن العنف؟

العديد من النساء في العالم العربي -بحسب رصد بلاغات هيئات مدنية محلية، قمنا به- لم يكسرن جدار الصمت، ولا يبلغن ضد العنف رغم وجود قوانين تجرّمه، ومن ضمنه العنف الرقمي.

تقول المستشارة الإعلامية لونا صفوان “نعيش في مجتمع تكثر فيه المحظورات للأسف، ومشاركة حادثة التعرض لعنف معين تضع المرأة العربية في خانة المساءلة قبل الشخص الذي قام بالفعل ضدها في كثير من الأحيان”.

وتضيف الصحفية اللبنانية المهتمة بقضايا العنف على أساس النوع في العالم العربي -في تصريح للجزيرة نت- أن النساء تتردد بالتبليغ ضد العنف الجسدي والرقمي خوفا مما سيقوله المجتمع المحيط، ونبّهت إلى أن تبليغ الناشطات والصحفيات في حالة تعرضهن للعنف الرقمي سيشجع الأخريات على القيام بذلك، بحسب رأيها.

وبحسب بشرى عبدو، فإن النساء العربيات لا يبلغن لسببين أساسين هما: الخوف من اعتبارهن مخطئات وإلقاء اللوم عليهن، وعدم المعرفة بالقانون والإجراءات، ودعت الناشطة في شؤون المرأة إلى تفعيل القوانين وتوفير خلايا للتكفل وحماية المشتكيات.

وتؤكد الدراسة التي أجرتها جمعية “مرا”، أن ردود أفعال العائلات غالبا ما تعاقب الضحية وفي حالات قليلة فقط تتخذ إجراءات ضد المعتدي، وأن 70% من الضحايا فضلن الصمت وعدم طلب المساعدة.

وبحسب استطلاع الباروميتر العربي الذي تم في الفترة 2018-2019، فإننا نجد في نحو 15% من الأسر بالمنطقة العربية حالات عنف أسري، وهو منتشر بدرجة عالية نسبيا في اليمن (26%) والمغرب (25%) ومصر (23%)، في حين أن معدلات الإبلاغ عن وقائع العنف سُجل أدناها في كل من ليبيا (7%) والأردن ولبنان وتونس (6% في كل منها).

وفي البيوت التي تشهد عنفا أسريا، فإن نسبة المسجل منه ضد إناث تبلغ 82% في لبنان، و72% في مصر، و71% في المغرب، و66% في الجزائر، بينما تبلغ نسبة تقارير العنف الأسري ضد ضحايا إناث في ليبيا 34% وفي اليمن 30%.

وكان المغرب قد تبنى في 2018 قانونا لمكافحة العنف ضد النساء، ينص لأول مرة على عقوبة الحبس حتى 3 أعوام في حق من يبث صورا “تمس بالحياة الخاصة للأشخاص أو تشهّر بهم”، كما يجرّم التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية والفضاء الافتراضي على السواء.

المصدر : وكالات

Libanaujourdui

مجانى
عرض