دريان: المأساة الفجيعة هي في من أوكل اللبنانيون إليه الامانة ولم يكن جديراً بها فأضاعها

وجه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة إلى اللبنانيين بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج الآتي نصها:

“الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، صاحب الشفاعة العظمى، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد،
يحتفي المسلمون كل عام بذكرى إسراء رسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه من مكة إلى بيت المقدس، وعروجه إلى السموات العلى. أما الإسراء فيشير إلى انتماء الإسلام إلى الدين الواحد، وبين إبراهيم عليه السلام وأعقابه من الأنبياء والمرسلين. وأما المعراج فمعجزة له صلوات الله وسلامه عليه أكرمه عز وجل بها برهانا على النبوة والرسالة. فبحسب اعتقاد المسلمين، كما نص على ذلك القرآن: “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا”. ومن بيت إبراهيم وإسماعيل مضى النبي عليه الصلاة والسلام إلى مواطن الرسالتين في القدس، ليشير بأمر الله وعنايته، كما سبق القول إلى وحدة الدين، ووحدة الرسالة، رسالة الخير إلى البشرية جمعاء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”. فالآيات هي آيات اللقاء على الحق والنور في مواطن الدعوة والعبادة والسلام. حتى إذا جاء ذكر المعراج في سورة النجم قرر القرآن الكريم أنه عليه الصلاة والسلام: “وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى”، لينتهي إلى قوله تعالى: “لقد رأى من آيات ربه الكبرى”. ومرة أخرى كما في ذكر الإسراء، تذكر في المعراج آيات الله البينات الواضحات لماهية الدعوة المحمدية باعتبارها امتدادا للدعوة الإبراهيمية الحنيفية السمحاء، وباعتبارها سبيلا إلى الحق والرشاد.
يذكر القرآن الكريم دعاء إبراهيم ربه في معراجه هو الآخر فيقول: “رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين”، ولسان الصدق هو مواريث الذكر الحسن والاتباع.

أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
ما يزال كثيرون منا يذكرون للرئيس الشهيد رفيق الحريري تساؤله تساؤل العالم مرارا: لماذا ينشئ الناس دولا وأنظمة؟ وكان رحمه الله يجيب نفسه ومحاوريه: ينشئ الناس الدول والأنظمة لصون انتمائهم، وتحسين ظروف حياتهم، والعمل مع دولهم وأنظمتهم على إعداد مستقبل لأجيالهم وأطفالهم وذويهم وبني قومهم. نعم ، لقد غادرنا أو غادر كثيرون منا وفي طليعتهم معاني الدولة والنظام والدستور والمستقبل. هو منظر هذه الأيام وفي سائر الأيام لشبابنا وشيوخنا ونسائنا وأطفالنا تائهين في الشوارع، يتشاكون الفقر والجوع وفقد الحيلة، وفقد الأمل بدولتهم وحاضرهم ومستقبلهم.

أيها المسؤولون الذين لا يأبهون لمسؤولياتهم التي من المفروض أنهم تصدوا لها، وحصلوا على مناصبهم بحجج أداء مقتضياتها، لماذا يفتقد الناس المعذبون كل ثقة بكم، ولماذا وبسبب اليأس منكم يلجأ العقلاء لالتماس الحلول الإنقاذية من الخارج القريب والبعيد؟! أوليس من البديهيات أن تكون لدينا حكومة مسؤولية، كما في سائر دول العالم. نحن نعرف والعالم يعرف الحكومات المستبدة، لكن العالم كله لا يعرف الحكومات الغائبة. الحكومات هي السلطات التنفيذية التي يعهد إليها الناس بالمسؤوليات. وفي حالتنا البائسة واليائسة لا نعرف كما لا يعرف سائر المواطنين إلى من وإلى أين نتوجه ويتوجهون. لقد صمت آذانكم ولم تسمعوا صرخات الشباب في الشارع من اليأس والغضب، فما حركت لديكم هذه الصرخة المدوية أي دافع وطني أو إنساني. وهكذا فإنكم لا تعرضون حلولا، بل ولا تكتفون بذلك، بل إنكم تمنعون الحلول بالقوة. ثم تزجون بالقوى العسكرية والأمنية لإخراج الغاضبين من الشارع! يا جماعة، اسمحوا بتشكيل حكومة تتصدى للمسؤوليات الهائلة والمتراكمة، ثم راقبوها وحاسبوها، أما الحال الحاضر فلا يقبل به ولا يفهمه أحد بالداخل أو بالخارج! وبصراحة وبدون مواربة: إما حكومة بالأمس قبل الغد، أو لن يبقى لبناني في بيته، والجميع سيكونون في الشارع!

بلادنا هي في زمن الانهيار الشامل. وفي أزمنة الانهيار، تستيقظ لدى البشر نوازع متضاربة. لقد تحول اللبنانيون القادرون أو نصف القادرين أو ربعهم إلى أعمال الخير والمساعدة والتضامن. وقد مدت جماهير غفيرة أيديها إلى إحسانات الخارج. وقد جاء في القرآن الكريم: “والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم”. وأشهد وأنا مثل غيري، أتابع بقدر الاستطاعة، أن المواطنين اللبنانيين، وكل منهم يفعلون أكثر مما يستطيعون. لكن هذا كله غير كاف على الإطلاق، بل نرى أنفسنا مضطرين للعودة إلى تساؤل الرئيس الشهيد رفيق الحريري: لماذا ينشئ الناس دولا وأنظمة؟ ما الحاجة للدولة إن لم تنهض بواجباتها نحو مواطنيها؟ وهذه فكرة خطيرة لها عواقب أخطر. إن انتفت الحاجة للدولة بسبب عدم قيامها بأي من مهماتها تجاه مواطنيها؛ فإن الفوضى المدمرة هي التي تحل محلها. وهو الأمر الذي نخشاه جميعا وسط انغماس المسؤولين غير المسؤولين في التناحر على صغائر الأمور قبل كبارها.

Libanaujourdui

مجانى
عرض