قتلوا أبناءهم من أجل قطعة آثار.. حكايات الموت أثناء تنقيب المصريين عن المقابر الفرعونية

اعتلت الدهشة وجوه أهالي إحدى القرى بمحافظة أسيوط، وألجمتهم الصدمة، حين هرعوا إلى صراخ سيدة تستغيث لإنقاذ ابنتها (8 أعوام)، عندما علموا أن أباها هو من يريد ذبحها.

وبدأت الأمور تتكشف شيئا فشيئا، فالأب كان ينفذ نصيحة أحد المشايخ أو الدجالين، الذي أتى به للكشف عن مقبرة فرعونية تحت منزله، وأن الرصد (الجان الذي يحرس كنوز المقبرة حسب اعتقادهم) طلب إراقة دم طفل فوق المقبرة؛ لكي يفتح لهم باب الكنوز لينهلوا منها.

وهو نفس ما حدث في إحدى قرى مركز الصف التابع لمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)؛ لكن الأب تمكن هذه المرة من ذبح ابنته (6 أعوام) فوق مكان بمنزله أرشده إليه الدجال موهما إياه أن تحته كنزا فرعونيا ثمينا.

مأساوية تلك القصص التي حكاها شهود عيان للجزيرة نت تلخص مآسي وأهوالا لا تصدق، قام بها أولئك المهووسون بحلم الثراء السريع من خلال التنقيب عن الآثار؛ فتمثال صغير -في معتقدهم وحسب الشائع- يباع بملايين الدولارات تكفي لنقل كل من عمل للعثور عليه إلى مصاف كبار الأغنياء.

حكايات مملؤة بالإثارة يتداولها أهالي الصعيد والدلتا على السواء حول من نقلتهم الآثار إلى ثراء فاحش، ومن نقلتهم إلى الآخرة بالقتل نتيجة الخلاف أو انهيار الحفر، التي يحفرونها بحثا عن الكنز، أو المنازل بأكملها، وهم بداخلها، وكذلك أطفال ذبحوا فوق المقبرة لفتحها.

مشعوذون ونصابون

ويسرد كمال (47 عاما) كيف أنفق ما جمعه من تجارته طوال 12 عاما بحثا وراء وهم العثور على الآثار، وكيف استغله مشعوذون لاستنزاف أمواله.

ويذكر أن أحدهم جاء له يوما وأخبره بأن اسمه الشيخ فلان، وأن تحت منزله مقبرة يقدر ما فيها بـ70 مليون جنيه (الدولار نحو 16 جنيها)؛ وأنه سيستخرجها مقابل 7 ملايين جنيه تكون من نصيبه؛ لكن لا بد من شراء بخور ومستلزمات أخرى تقدر بـ100 ألف جنيه، لا بد أن تكون من حر مال  أصحاب المقبرة كي تفتح.

وأضاف كمال للجزيرة نت أنه بعد يومين أخبرهم أن الجني حارس المقبرة طلب أنواع بخور أخرى بروائح معينة تكلف 50 ألف جنيه أخرى، ثم بدأ في استنزافه بأموال أقل حتى وصلت في آخر مرة إلى 500 جنيه فقط.

ثم ذهب مخبرا إياه أنه سيأتي في الغد بالبخور الجديد ليفتح المقبرة بدون طلبات أخرى، وبعدها اختفى، وأغلق هاتفه، ولم يعد. اعلان

علاقات محرمة

رواية أخرى يتداولها أهالي مركز البلينا بسوهاج عن شيخ جلبه أحد المزارعين إلى منزله، وأخبر الجيران أنه قريب له، واستضافه بالمنزل.

وبدأ في طريق استنزاف الأموال نفسه؛ بل الكارثة أن المشعوذ الذي يطلقون عليه الشيخ أقام علاقات محرمة مع زوجة المزارع وابنته ذات 20 عاما.

ولم تتكشف كل تلك الكوارث الأخلاقية إلا بعد أن هرب المشعوذ فور تيقنه أن المزارع باع كل ما يملك، ورهن منزله، ولم يعد لديه ما يدفعه في سبيل العثور على الكنز الموعود.

شادي محمود محام من أسيوط يؤكد وجود مئات القصص المشابهة، التي حدثت مع الباحثين وراء وهم كنوز الفراعنة تحت الأرض، وأن مواطنين جاؤوا لمكتبه ومكاتب زملائه ليس معهم سوى صورة بطاقة هوية للمشعوذين طالبين منهم رفع دعوى نصب واحتيال ضدهم، وبالطبع عناوين منازلهم المدونة بالبطاقات قديمة، ولا يقطنون بها.

دجالون

وأضاف شادي للجزيرة نت أنه حين يبدأ البحث عن العناوين المدونة ببطاقات الهوية يُكتشف أن منهم من يعمل “عجلاتي” (فني تصليح دراجات) أو “فران” (يعمل في مخبز) ومنهم خريج كلية الدعوة بجامعة الأزهر؛ لكنه عاطل بعد أن فصل من عمله بأحد المساجد لسوء سلوكه.

وبذلك -يكمل محمود- تضيع أموال الضحايا سدى؛ بل هناك حالات لأناس كانوا ميسوري الحال إلى حد ما باعو أراض أو عقارات كانوا يمتلكونها، وتكفي لحياة يسيرة؛ لكن الطمع بثروات هائلة قادهم للإفلاس.

وأشار إلى حالة يعرفها شخصيا، وهو مهندس زراعي ورث أرضا زراعية وبيتا عن والده؛ لكن الطمع في أن يتفوق على إخوته (الذين نشبت بينهم عداوة عند تقسيم الميراث) بجمع ثروة هائلة دفعه لبيع أراضيه قطعة قطعة؛ لينفقها على البحث عن الآثار.

وانتهى به الحال مفلسا بعد أن صرف كل ما يملك -دون العثور على شيء- يجلس أمام منزله شاردا لا يرد السلام على أحد، وكأنه زهد حتى في الكلام ليظل عبرة أمام الناس، وأخذ جسمه في التضاؤل حتى مات كمدا بعد أقل من عام على بيعه آخر قطعة أرض يمتلكها.

أستاذ جامعي

طريقة أخرى لابتزاز أموال الحالمين بالثراء الواسع جراء العثور على كنوز تركها الفراعنة في باطن الأرض، تتمثل بقيام أستاذ قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بأحد جامعات الصعيد باستحضار جهاز للكشف عن المعادن عن طريق الأشعة؛ حسب كلام علاء الذي حضر أحد هذه الجلسات.

وأكد علاء للجزيرة نت أن من يبحثون عن الآثار، ويريدون التأكد من وجود شيء تحت الأرض قبل تحمل عبء الحفر خاصة في الأراضي ذات الطبيعة الصخرية يستدعون هذا الأستاذ الجامعي بجهازه، والذي يشترط الحصول على 60 ألف جنيه قبل الذهاب للمكان المقصود.

ولكن ليس هذا كل شيء، فالمبلغ المطلوب فقط للحضور، وكل كشف يجريه بالجهاز في المكان مقابل 10 آلاف جنيه، وإذا أرادوا الكشف على مكان آخر في اليوم نفسه يدفعون 10 آلاف جنيه أخرى؛ بينما لو جاء في يوم جديد، فسيتكلفون 60 ألف جنيه جديدة لمجرد إحضار الجهاز.

ثراء مفاجئ

أما حكايات من أثروا فجأة بدون أية مقدمات، فتمثل الحافز، الذي يلهب خيال الذين يحلمون بالثراء السريع، فهذا أمين الذي كان يعمل حفارا باليومية أو يحمل الطوب على ظهره عامل بناء، إذا به يتوسع في شراء الأراضي فجأة، وينشئ شركة كبرى للمقاولات وبيع مواد البناء.

وبعد أن كان يأكل وجبة ويوفر أخرى -حسب رواية أهل قريته بالصعيد- فإذا به يشتري ماشية بشكل أسبوعي، ويذبحها أمام منزله، ويهب منها للفقراء، ويفغر أهالي القرية أفواههم حين يرون دراجة توصيل الطلبات من مطاعم شهيرة تدخل قريتهم آتية من المدينة متجهة لبيت أمين.

وتكثر في الصعيد حكايا من أصبحوا رجال أعمال بعد ضيق حال وعسر شديدين، وكيف دخلوا البرلمان بعد أن قاموا بغسل أموالهم من خلال العمل بمجال التجارة أو المقاولات.

إفلاس ومنفى إجباري

بينما يهيم من خسر أمواله -بحثا وراء كنز لم يعثر عليه ووقع أسيرا للمحتالين- على وجهه ضاربا في الأرض، ومنهم من يلجأ لمنفى اختياري داخل محافظة لا يعرفه بها أحد ويترك بلدته، ومنهم من يموت كمدا، وآخرون يهبون حيواتهم لخدمة مقامات الأولياء إلى أن يقبضهم الموت، حسب رواية كمال، الذي سحب نفسه من هذا الطريق قبل فوات الآوان.

عقوبات مشددة

وتحتل محافظات الصعيد مركزا متقدما في عدد من قبض عليهم بجرائم آثار، فطبقا لإحصائية أجراها مركز “دفتر أحوال” للأرشفة والتوثيق، فقد قبض على 359 شخصا بمحافظات الصعيد، تليها محافظات الدلتا بـ227 حالة من إجمالي 965 حالة قبض عليها بجريمة آثار عام 2016.

وتم ضبط أكثر من 11 ألف قطعة أثرية حاول المقبوض عليهم بيعها خلال العام نفسه؛ طبقا لما نشره مركز دفتر أحوال.

ويواجه المنقبون عن الآثار -طبقا للقانون- عقوبات مشددة، نتيجة الاتهام بالتنقيب عن الآثار، والاتجار بها وتهريبها، وتتراوح عقوبات هذه الاتهامات بين السجن المشدد من 3 سنوات إلى 15 سنة، والسجن المؤبد، وتصل إلى الإعدام حال محاولة تهريبها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

Libanaujourdui

مجانى
عرض