ما هي القطبة المخفية في ” تراجع الزخم الثوري” ذكرى ١٧ تشرين؟

عبد الرحمن ضاهر – لبنان اليوم

كانت الشرارة التي ألهبت الثورة في ١٧ تشرين محط إجماع لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين المستائين من الازمات الإقتصادية و المالية و الاجتماعية المتراكمة و من الفساد و السرقات التي أنهكت البلاد و ظهرت الإحتجاجات في مختلف المدن و المحافظات و الشوارع من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بعفوية و بشعارات مطلبية محقة لا يختلف عليها إثنين و تكللت بدينامية غير مسبوقة لدى الشباب اللبناني دعمت بتعاطف عملي من الإغتراب حيث أقيمت تجمعات تضامنية مع الثورة في غير دولة في الخارج. إلى هنا كانت الثورة تسير بإنطلاقة تاريخية و بدت أنها تحمل توجهات جذرية عميقة تحمل في طياتها بادئ الأمر الإطاحة بالمنظومة السياسية الحاكمة عبر شعارها الأبرز ” كلن يعني كلن” ثم المطالبة بتغيير النظام الطائفي و صولا الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون إنتخابي جديد، لكن المجموعات الثورية التي رفعت هذه المطالب الإصلاحية الكبيرة أثبتت طوال فترة حراكها أنها لم تكن قادرة على خوض الإمساك  بأطراف خيوط اللعبة السياسية في لبنان فلم تكن قادرة على تنظيم نفسها و وضع خطة و رؤية استراتجية لمسارها السياسي و يعزى ذلك ربما إلى وجود تناقضات حتى بين صفوفها من حيث الفكر و المبادئ و الخلفيات الايديولوجية المختلفة رغم الصورة التحررية المتقدمة التي ظهر بها الكثير من الثوار لكن كان هناك اختلاف على نقاط كثيرة، و حتى ما  يتفق عليه نخبة “الرأي العام” في لبنان حول حتمية مواجهة السلطة كضرورة ملحة لتغيير الواقع السياسي في لبنان كان يصطدم بصعوبة  التنظيم و آليات التحرك الثوري لغياب التنسيق البنيوي الذي اعترض عليه كثيرون حتى من أوساط الثوار فكان الهجوم الدائم على من يحاول الحديث عن تنظيم الثورة و كان واضحاً غيات المتحدثين الرسميين بإسمها و المفاوضون الذين يتفاوضون مع السلطة في حالات الطوارئ. في سياق التقدم الثوري أخذت السلطة تقدم بعض التنازلات، منذ اليوم الأول، ألغت الضريبة على مكالمات الإنترنت عبر تطبيق الواتسآب، بعدها بأيام أعلن جعجع عدم مشاركته في الجلسة الطارئة للحكومة قبل أن يعلن لاحقاً إستقالة وزرائه، اعتكف جنبلاط و أعلن الحرب على السياسة العونية، أعلن الحريري استقالته، و توالت الأحداث التي كان من بينها وصول نقيب المحامين محلم خلف إلى سدة النقابة في بيروت حتى الآن كانت الحراك الثوري يقطف ثمار الثورة و يتلذذ بنشوة النصر. و كانت نقطة التحول حين بردت الثورة و تراجعت بعض المواقع المركزية الثورية الحساسة،  بلعت بعض النخب الثوريّة الطعم بحكومة حسان دياب التي لم يشارك فيها عدد من الأحزاب كالمستقبل و الاشتراكي و القوات و غيرهم على أساس أنها حكومة مستقلين و الحقيقة الواضحة كانت غير ذلك حيث كانت حكومة شكّلها و أدارها من بقي في الحكم و هم الحكام الفعليين للدولة الآن، أما وزراءها فهم دمى تكنوقراطية بأيدٍ حزبية خفية. لكن لماذا فشلت الثورة، ببساطة لأنه وفجأة و وسط الضجيج الثوري بدأ صوتها يخفت عن من لقنها دروساً قاسية على الأرض و في السياسة، فعلى الأرض، من كان ينظم الغزوات اليومية عليها في وسط بيروت و في صيدا و صور و النباطية،؟ نعم لقد خفت صوت الثورة على من كان يتفنن في مهاجمة الثوار في تجمعاتهم في وسط بيروت و الرينغ و يحطم خيمهم و مقتنياتهم و يوقع منهم الجرحى ، و تراجع تركيزها على من اتهمها بأنها عميلة للسفارات و شكك في مصدر مؤنتها المتواضعة ( المنقوشة و قنية المياه). حتى أصبح التعرض للحزب و للسيد محرماً بين المتظاهرين. تراجع الثوار عن درب عين التينة تحت وطأة الإرهاب الذي مورس عليهم من أزلام حركة المحرومين (حركة أمل) فأصبح الإقتراب من عين التينة عملياً و حسياً أمراً محرماً. حتى طريق بعبدا كان معبداً بالتحركات المضادة على مبدأ ” شارع بمواجهة شارع” و مزنراً بالرصاص الحي و المطاطي ضد المتظاهرين. إذاً، استطاعت الأحزاب الحاكمة من ترهيب و تخويف المتظاهرين في مناطقها و استعملت السلطة كل قوتها لاحقاً في ساحة الشهداء و محيط مجلس النواب بأستخدام قوة الدولة ضد المتظاهرين و إمطارهم بالماء و الرصاص المطاطي. أما في المقلب الآخر وحيث لا وجع و لا ترهيب للثوار بقيت ساحات الشمال آخر من يثور و استمرت ساحة النور تتصدر الساحات عروساً للثورة يحيطها حلقات المناقشات السياسية. حيث لا بلطجية لحزب و لا شبيحة و لا سلطة لاحد الأحزاب الحاكمة لكن دون جدوى. إلى ذلك استطاعت القوى الحاكمة و على رأسها حزب الله تحوير المنطق الثوري عند الكثير من الثوار من المطالبة بإسقاط سلطة و أحزاب حاكمة إلى التوجه إلى موظفين في الدولة يعملون بتوصيات السلطة فأصبح مصرف لبنان و حاكمه هدفاً للثوار و أصبح تكسير زجاج المصارف هدفاً انتقامياً بحد ذاتيه وصولا إلى العبث بالاملاك العامة مروراً بقطع الطرقات في مناطق لاجدوى من تكسيرها في بيروت و بعض مناطق الأطراف ما عاد بالسؤ على الثورة و الثوار و سمعتهم. فماذا تستطيع قوى النخبة و قادة الرأي العام أن تصنع في ظل التشتت الثوري الذي لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال التنظيم الذي هو الأخر سيدخل في آتون الصراع الداخلي على من الذين سيكونون في الواجهة حيث حتماً ستولد النزعات الطائفية و المناطقية و الايديولوجية و العصبية العائلية الدفينة في نفوس الثوار أنفسهم” اللبنانيين” منذ الميثاق الوطني ١٩٤٣ الذي بنى لبنان على المحاصصة و التقاسم الطائفي. إن أكثر ما أخفق فيه الثوار هو عدم وجود خطة واضحة و تنظيم سياسي شامل و أكثر من ذلك فلقد إكتفت الثورة بإسقاط حكومة السلطة التي برأسها سعد الحريري و سكتت عن الحزب الحاكم و أذرعه في قصر بعبدا و الذين رغم فشلهم هم وشركائهم من المنظومة السياسية يتفنون في المزيد من إفشال الثورة حتى الساعة و  في مصير بلد منهار و يتجه أكثر إلى مشهد ضبابي كارثي. فهل ستتطيع الثورة إعادة ترتيب أوراقها و توجيه البوصلة نحو أهدافها الحقيقية و هل تملك القوة على مواجهة السلطة في بلد تعب شعبه و هو في أشد مراحله التاريخية حساسية و في  موقف  لا يحسد عليه ينطبق فيه المثل الشعبي ” بالع السكين ع الميلين”.

Libanaujourdui

مجانى
عرض